للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: (معاذ الله أن أشرك بالله غيره) فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك، فنزلت؛ فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم؛ فأيسوا. (لا أَعْبُدُ) أريدت به العبادة فيما يستقبل، لأن (لا) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن (ما) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال، ألا ترى أن (لن) تأكيد فيما تنفيه (لا). وقال الخليل في (لن): إنّ أصله (لا أن) والمعنى: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه منى من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) أي: وما كنت قط عابدا فيما سلف ما عبدتم فيه، يعنى: لم تعهد منى عبادة صنم في الجاهلية، فكيف ترجى منى في الإسلام. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي: وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته.

فإن قلت: فهلا قيل: ما عبدت، كما قيل: ما عبدتم؟

قلت: لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل المبعث، وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (فاستلمْ)، أَيْ: قَبِّلْ؛ يقال: استلمِ الحجرَ، أي: صافحْه، ثُمّ عَمَّ في كلِّ مُماسّة.

قولُه: (فَهلّا قيل)، يعني: قولُه: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}، قرينةٌ لقوله: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ}، فلِمَ خولِفَ في الثانية إلى {مَا أَعْبُدُ}، وكان الظاهر {مَا عَبَدْتُ}، كما قيل في الأولى {مَا عَبَدْتُمْ}؟

قولُه: (وهو لم يكنْ يعبدُ اللهَ تعالى في ١ لك الوقت)، الانتصاف: «هذا القولُ خطأٌ أصلًا وفرعًا، أما أصلُه فإنّ القدريّ يعتقدُ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يكنْ قبلَ البعثِ على دينِ نبيٍّ قبلَه، لأن ذلك غَميزةٌ في حقّه ومنفّرٌ عن اتّباعه، ويعتقدون أن الناسَ كلَّهم متعبّدون بمقتضى العقلِ بوجوبِ النظرِ في آياتِ الله وأدلّةِ توحيدِه ومعرفتِه، وأنّ وجوبَ النظرِ بالعقلِ لا بالسمع؛

<<  <  ج: ص:  >  >>