للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم» إلخ ومثله من الكلام إذا أردت أن تأكل فقل: بسم الله وإذا أردت أن تسافر فتأهب، وأيضا فإن الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة، لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها، ومذهب عطاء أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة سنة في الصلاة وغيرها، وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها في أول سورة الفاتحة، والاستعاذة: الاعتصام بالله والالتجاء إليه من شر الشيطان ووسوسته. والمراد من الشيطان إبليس. وقيل: هو اسم جنس يطلق على المردة من الشياطين، لأن لهم قدرة على إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم بإقدار الله إياهم على ذلك إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لما أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالاستعاذة من الشيطان فكأن ذلك أوهم أن له سلطان يعني ليس له قدرة، ولا ولاية على الذين آمنوا، وعلى ربهم يتوكلون. قال سفيان ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر ويظهر من هذا «١» أن الاستعاذة، إنما تفيد إذا حضر بقلب الإنسان كونه ضعيفا، وأنه لا يمكنه التحفظ من وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله ولهذا قال المحققون: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله ثم قال تعالى إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ يعني يطيعونه ويدخلون في ولايته، يقال: توليته إذا أطعته وتوليت عنه إذا أعرضت عنه وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ يعني بالله، وقيل: الضمير في به راجع إلى الشيطان، والمعنى هم من أهله مشركون بالله قوله سبحانه وتعالى وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا: إن محمدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه فأنزل الله هذه الآية. والمعنى: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر والله أعلم بما ينزل اعتراض دخل في الكلام، والمعنى والله أعلم بما ينزل من الناسخ وبما هو أصلح لخلقه، وبما يغير ويبدل من أحكامه أي هو أعلم بجميع ذلك مما هو من مصالح عباده، وهذا نوع من توبيخ وتقريع للكفار على قولهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو قوله تعالى قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ أي تختلقه من عندك، والمعنى: إذا كان الله تعالى أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون محمدا إلى الافتراء والكذب لأجل التبديل والنسخ؟

وإنما فائدة ذلك ترجع إلى مصالح العباد، كما يقال: إن الطبيب يأمر المريض بشرب دواء ثم بعد ذلك ينهاه عنه ويأمره بغيره لما يرى فيه من المصلحة بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ يعني لا يعلمون فائدة الناسخ وتبديل النسوخ قُلْ أي قل لهم يا محمد نَزَّلَهُ يعني القرآن رُوحُ الْقُدُسِ يعني جبريل صلّى الله عليه وسلّم أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود وطلحة الخير، والمعنى الروح المقدس المطهر مِنْ رَبِّكَ يعني أن جبريل نزل بالقرآن من ربك يا محمد بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني ليثبت بالقرآن قلوب المؤمنين فيزدادوا إيمانا ويقينا وَهُدىً وَبُشْرى يعني وهو هدى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦): الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥)


(١). قوله ويظهر من هذا، اسم الإشارة راجع لما ذكره قبل قول سفيان كما يعلم من الفخر فإنه لم يذكر في هذا المحل قول سفيان وذكر ما قبله وما بعده وعبارته صحيحة بخلاف ما هنا فإنه يوهم رجوع اسم الإشارة لقول سفيان وهو غير ظاهر اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>