للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليهود فأحله بعضهم فاصطادوا فيه فلعنوا ومسخوا قردة وخنازير في زمن داود عليه السلام، وقد تقدمت القصة في تفسير سورة الأعراف وبعضهم ثبت على تحريمه، فلم يصطد فيه شيئا وهم الناهون والقول الأول أقرب إلى الصحة. وقوله تعالى وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يعني في أمر السبت فيحكم الله بينهم يوم القيامة فيجازي المحققين بالثواب والمبطلين بالعقاب. قوله عز وجل ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعني ادع إلى دين ربك يا محمد، وهو دين الإسلام بالحكمة يعني بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة والموعظة الحسنة، يعني وادعهم إلى الله بالترغيب والترهيب وهو أنه لا يخفى عليهم أنك تناصحهم وتقصد ما ينفعهم وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف. وقيل: إن الناس اختلفوا وجعلوا ثلاثة أقسام: القسم الأول هم العلماء الكاملون أصحاب العقول الصحيحة والبصائر الثاقبة الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها، فهؤلاء المشار إليهم بقوله «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة» يعني ادعهم بالدلائل القطعية اليقينية حتى يعلموا الأشياء بحقائقها حتى ينتفعوا وينفعوا الناس وهم خواص العلماء من الصحابة وغيرهم.

القسم الثاني: هم أصحاب الفطرة السليمة، والخلقة الأصيلة وهم غالب الناس الذين لم يبلغوا حدّ الكمال، ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان فهم أوساط الأقسام، وهم المشار إليهم بقوله: والموعظة الحسنة أي ادع هؤلاء بالموعظة الحسنة. القسم الثالث: هم أصحاب جدال وخصام ومعاندة، وهؤلاء المشار إليهم بقوله: وجادلهم بالتي هي أحسن حتى ينقادوا إلى الحق ويرجعوا إليه. وقيل: المراد بالحكمة القرآن يعني ادعهم بالقرآن الذي هو حكمة وموعظة حسنة، وقيل: المراد بالحكمة النبوة أي ادعهم بالنبوة والرسالة والمراد بالموعظة الحسنة الرفق واللين في الدعوة، وجادلهم بالتي هي أحسن أي أعرض عن أذاهم ولا تقصر في تبليغ الرسالة، والدعاء إلى الحق فعلى هذا القول قال بعض علماء التفسير: هذا منسوخ بآية السيف إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعني إنما عليك يا محمد تبليغ ما أرسلت به إليهم ودعاؤهم بهذه الطرق الثلاثة وهو أعلم بالفريقين الضال والمهتدي فيجازي كل عامل بعمله قوله سبحانه وتعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ نزلت هذه الآية بالمدينة في سبب شهداء أحد وذلك أن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلى المسلمين يوم أحد من تبقير البطون، والمثلة السيئة حتى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلا مثل به غير حنظلة بن أبي عامر الراهب، وذلك أن أباه أبا عامر الراهب كان مع أبي سفيان فتركوا حنظلة لذلك فقال المسلمون حين رأوا ذلك:

لئن أظهرنا الله عليهم، لنربين على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يفعلها أحد من العرب بأحد. ووقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عمه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وآذانه وقطعوا مذاكيره، وبقروا بطنه وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها فلم تنزل في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار» فلما نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عمه حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«رحمة الله عليك فإنك ما علمنا ما كنت إلا فعّالا للخيرات، وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك». فأنزل الله عز وجل:

«وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» الآية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل نصبر وأمسك عما أراد وكفر عن يمينه» عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم. قال: فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله عز وجل «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين» فقال رجل: لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كفوا عن القوم إلا أربعة» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب وأما تفسير الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>