للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنِّي قَرِيبٌ معناه قريب بالعلم والحفظ لا يخفى علي شيء، وفيه إشارة إلى سهولة إجابته لمن دعاه وإنجاح حاجة من سأله (ق) عن أبي موسى الأشعري قال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبير، أو قال: توجه إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر لا إله إلّا الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا قريبا وهو معكم» قوله اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بها وقيل معناه أمسكوا عن الجهر فإنه قريب يسمع دعاءكم. وقوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ أي أسمع دعاء عبدي الداعي إذا دعاني وقيل: الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله تعالى كقول العبد: يا الله لا إله إلّا أنت فقولك يا الله فيه دعاء، وقولك: لا إله إلّا أنت فيه توحيد وثناء على الله تعالى فسمي هذا دعاء بهذا الاعتبار وسمي قبوله إجابة لتجانس اللفظ، وفيه إشارة إلى أن العبد يعلم أن له ربا ومدبرا يسمع دعاءه إذا دعاه ولا يخيب رجاء من رجاه وذلك ظاهر فإن العبد إذا دعا، وهو يعلم أن له ربا بإخلاص وتضرع أجاب الله دعوته.

فإن قلت: إنا نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب له فما وجه: قوله أجيب دعوة الداع؟ وقوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. قلت ذكر العلماء فيه أجوبة: أحدها أن هذه الآية مطلقة وقد وردت آية أخرى مقيدة وهي قوله: «بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء» والمطلق يحمل على المقيد. وثانيها أن معنى الدعاء هنا هو الطاعة ومعنى الإجابة هو الثواب وذلك في الآخرة. وثالثها أن معنى الآيتين خاص. وإن كان لفظهما عاما فيكون معناه أجيب دعوة الداعي إذا وافق القضاء أو أجيبه إن كانت الإجابة خيرا له أو أجيبه إذا لم يسأل إثما أو محالا. ورابعها أن معناها عام أي أسمع وهو معنى الإجابة المذكورة في الآية، وأما إعطاء الأمنية فليس بمذكور فالإجابة حاصلة عند وجود الدعوة وقد يجيب السيد عبده ولا يعطيه سؤله. وخامسها أن للدعاء آدابا وشرائط وهي أسباب الإجابة، فمن استكملها وأتى بها كان من أهل الإجابة ومن أخطأها كان من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الجواب والله أعلم. وقوله تعالى فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي يعني إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة كما أني أجبتهم إذا دعوني لحوائجهم. والإجابة في اللغة الطاعة. فالإجابة من العبد الطاعة ومن الله الإثابة والعطاء وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أي لكي يهتدوا إلى مصالح دينهم ودنياهم.

(فصل: في فضل الدعاء وآدابه) (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يجب الإيمان به وبأنه حق على ما يليق به ونكل علمه إلى الله تعالى ورسوله وإن ظاهره المتعارف في حقنا غير مراد ولا نتكلم في تأويله مع اعتقادنا تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوقين وعن الانتقال والحركات. والمذهب الثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف أنها تؤول على ما يليق فعلى هذا نقل عن مالك وغيره أن معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته وقيل: إنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف وفي الحديث الحث على الدعاء والترغيب فيه عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين» أخرجه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن غريب. الصفر الخالي يقال بيت صفر ليس فيه متاع. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إياها أو صرف عنه من الشر مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم إذا نكثر قال الله أكثر» أخرجه الترمذي. قوله الله أكثر معناه الله أكثر إجابة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب. عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» أخرجه الترمذي. وله عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>