للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل، ثم لما أراد الله تعالى هلاك بختنصر انبعث فقال لمن في يده من بني إسرائيل: أرأيتم هذا البيت الذي خربت والناس الذي قتلت منكم، وما هذا البيت؟ قالوا هو بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذراري الأنبياء فظلموا وتعدوا فسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السموات والأرض ورب الخلائق كلهم يكرمهم ويعزهم، فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم وسلط عليهم غيرهم فاستكبر وتجبر، وظن أنه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل، قال فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا، فأقتل من فيها وأتخذها لي ملكا فإني قد فرغت من أهل الأرض، قالوا: ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال: لتفعلن أو لأقتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا إلى الله تعالى فبعث الله عز وجل عليه بقدرته بعوضة، فدخلت منخره حتى عضت أم دماغه فما كان يقر ولا يسكن، حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه، ليري الله العباد قدرته ونجى الله من بقي من بني إسرائيل في يده، وردهم إلى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه، ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها، وليس معهم من الله عهد. كانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل، فلما رجع إلى الشام جعل يبكي ليله ونهاره، وخرج عن الناس فبينما هو كذلك إذ جاءه رجل فقال له: يا عزير ما يبكيك؟ قال: أبكي على كتاب الله وعهده الذي كان بين أظهرنا الذي لا يصلح ديننا وآخرتنا غيره. قال:

أفتحب أن يرد إليك قال: نعم قال: ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزيز فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد إلى المكان الذي وعده، فجلس فيه فأتاه ذلك الرجل بإناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله إليه فسقاه من ذلك الإناء، فمثلت التوراة في صدره فرجع إلى بني إسرائيل فوضع لهم التوراة، فأحبوه حبا لم يحبوا حبه شيئا قط، ثم قبضه الله تعالى وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث، ويعود الله عليهم، ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث إليهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وكانوا من بيت آل داود فزكريا مات، وقيل قتل وقصدوا عيسى ليقتلوه فرفعه الله من بين أظهرهم وقتلوا يحيى، فلما فعلوا ذلك بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش، فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليه الشام، فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤساء جنوده يقال له بيورزاذان صاحب القتل فقال له: إني قد كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى يسيل الدم في وسط عسكري، إلا أن لا أجد أحدا أقتله فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم، ثم إن بيورزاذان دخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم، فوجد فيها دما يغلي فسألهم عنه فقال: يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي؟

أخبروني خبره. فقالوا: هذا دم قربان لنا قرّبناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ولقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة، فتقبل منا إلا هذا فقال: ما صدقتموني فقالوا لو كان كأول زماننا لتقبل منا، ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا فذبح بيورزاذان منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحا، من رؤوسهم فلم يهدأ الدم فأمر سبعمائة غلام من غلمانهم، فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ، فلما رأى بيورزاذان أن الدم لا يهدأ قال لهم: يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني واصبروا على أمر ربكم فقد طالما ملكتم في الأرض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار من ذكر ولا أنثى إلا قتلته، فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر فقالوا: إن هذا دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله تعالى فلو كنا أطعناه كنا أرشدنا. وكان يخبرنا عن أمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال لهم بيورزاذان ما كان اسمه قالوا: يحيى بن زكريا قال: الآن صدقتموني لمثل هذا ينتقم ربكم منكم فلما علم بيورزاذان أنهم صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله: أغلقوا أبواب المدينة، وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش، وخلا في بني إسرائيل ثم قال: يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك، ومن قتل منهم فاهدأ باذن

<<  <  ج: ص:  >  >>