للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا، على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟ قال: «ما مكّنّي فيه ربي خير» وقال أعدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم.

فانطلق حتى توسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب وأضراس كالسباع، ولهم هدب شعر يواري أجسادهم، ويتقون به من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى، يصيف في واحدة ويشتي في واحدة، يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الأساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ قيل فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا حملوه وأدخلوه أرضهم، فلقوا منهم أذى شديدا وقيل فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل معناه أنهم سيفسدون عند خروجهم فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي جعلا وأجرا من الأموال عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا أي حاجزا فلا يصلون إلينا.

[سورة الكهف (١٨): الآيات ٩٥ الى ٩٨]

قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)

قالَ لهم ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما قواني به ربي خير من جعلكم فَأَعِينُونِي يعني لا أريد منكم المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً أي سدا قالوا وما تلك القوة؟ قال فعلة وصناع يحسنون البناء والآلة. قالوا وما تلك الآلة؟ قال: آتُونِي أي أعطوني وقيل جيئوني «١» زُبَرَ الْحَدِيدِ أي قطع الحديد فأتوه بها، وبالحطب فجعل الحطب على الحديد والحديد على الحطب حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي بين طرفي الجبلين قالَ انْفُخُوا يعني في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً أي صار نارا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ أي أصيب عليه قِطْراً أي نحاسا مذابا فجعلت النار تأكل الحطب وجعل النحاس يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس قيل إن السد كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، وقيل إن عرضه خمسون ذراعا وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ، واعلم أن هذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها. فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي يعلو عليه لعلوه وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً أي من أسفله لشدته وصلابته قالَ يعني ذو القرنين هذا أي السد رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي أي نعمة من ربي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي قيل يعني القيامة وقيل وقت خروجهم جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي أرضا ملساء وقيل مدكوكا مستويا مع الأرض وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين» قوله وعقد بيده تسعين هو من موضوعات الحساب، وهو أن تجعل رأس إصبعك السبابة في وسط الإبهام من باطنها شبه الحلقة، لكن لا يتبين لها إلا خلل يسير وعنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غدا قال فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا، إن شاء الله تعالى، واستثنى قال فيرجعون فيجدونه


(١). قوله وقيل جيئوني ظاهر أنه تفسير لآتوني مقطوع الهمزة ولا يصح إنما يصح إذا كان تفسيرا لآتوني موصولها فليتأمل اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>