للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحج مفردا، وفي رواية إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل بالحج مفردا، وله عن جابر قال: قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نصرخ بالحج صراخا. وعن ابن عمر قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج. أخرجه مالك في الموطأ وذهب الثوري وأبو حنيفة إلى أن القران أفضل يدل عليه ما روي عن أنس قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبي بالحج والعمرة جميعا وفي رواية سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لبيك عمرة وحجا، أخرجاه في الصحيحين. وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن التمتع أفضل، يدل عليه ما روي عن ابن عباس قال: «تمتع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان فأول من نهى عنهما معاوية» أخرجه الترمذي (ق) عن ابن عمر قال تمتع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحج وكان من الناس من أهدى ومنهم لم يهد فلما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر وليتحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض وطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهدى فساق الهدي من الناس». اختلفت الروايات في حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم هل كان مفردا أو متمتعا أو قارنا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة ورجحت كل طائفة نوعا وادّعت أن حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم كذلك وطريق الجمع بين روايات الصحابة واختلافهم في حجته صلّى الله عليه وسلّم أنه كان أولا مفردا ثم إنه صلّى الله عليه وسلّم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج فصار قارنا فمن روى أنه كان مفردا فهو الأصل ومن روي القرآن اعتمد آخر الأمر ومن روي التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق وقد ارتفق بالقرآن كارتفاق التمتع وزيادة وهو الاقتصار على فعل واحد، وبهذا أمكن الجمع بين الأحاديث المختلفة في صفة حجة الوداع وهو الصحيح وذكر الشافعي في كتاب اختلاف الحديث كلاما موجزا في ذلك فقال إن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان منهم المفرد والقارن والمتمتع وكل كان يأخذ منه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه فأضيف الكل إليه على معنى أنه أمر به وأذن فيه ويجوز في لغة العرب إضافة الفعل إلى الأمر به كما تجوز إضافته إلى فاعله كما يقال بنى فلان داره وأريد به أنه أمر ببنائها وكما يروى: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رجم ماعزا» وإنما أمر برجمه، واختار الشافعي الإفراد واحتج في ترجيحه بأنه صح ذلك من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع على غيرهم، فأما جابر فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع فإنه ذكرها من حين خرج النبي صلّى الله عليه وسلم

من المدينة إلى آخرها فهو أضبط لها من غيره، وأما ابن عمر فصح عنه أنه كان آخذا بخطام ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع وإنما سمعه يلبي بالحج. وأما ابن عباس فمحله من العلم والفقه والدين معروف مع كثرة بحثه عن أحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأما عائشة فقربها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معروف واطلاعها على باطن أمره وظاهره مع كثرة فقهها وعلمها، ومن دلائل ترجيح الإفراد أن الخلفاء الراشدين أفردوا الحج بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وواظبوا عليه.

وأركان الحج خمسة الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي بين الصفا والمروة وحلق الرأس أو التقصير في أصح القولين. وأركان العمرة أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، وبهذه الأركان تمام الحج والعمرة.

قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أصل الحصر في اللغة الحبس والتضييق، ثم اختلف أهل اللغة في الحصر والإحصار فقيل إذا رد الرجل عن وجه يريده فقد أحصر، وإذا حبس فقد حصر وقال ابن السكيت أحصره المرض

<<  <  ج: ص:  >  >>