للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنزلة من السماء مائة وأربعة كتب أنزل على آدم عشر صحائف، وعلى شيث ثلاثون، وعلى إدريس خمسون، وعلى موسى عشر صحائف والتوراة، وعلى داود الزبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى محمد صلّى الله عليه وسلّم وعليهم القرآن لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ يعني الكتاب وإنما أضيف الحكم إلى الكتاب وإن كان الحاكم هو الله تعالى لأنه أنزله.

والمعنى ليحكم الله بالكتاب الذي أنزله وقيل معناه ليحكم بين الناس كل نبي بكتابة المنزل عليه فإسناد الحكم إلى الكتاب أو للنبي مجاز والله هو الحاكم في الحقيقة فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي في الحق الذي اختلفوا فيه من بعد ما كانوا متفقين عليه وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أي في الحق إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ أي أعطوا الكتاب والمراد به التوراة والإنجيل والذين أوتوه اليهود والنصارى واختلافهم هو تكفير بعضهم بعضا بغيا وحسدا. وقيل اختلافهم هو تحريفهم وتبديلهم. وقيل الكناية فيه راجعة إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم والمعنى وما اختلف في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد وضوح الدلالات على صحة نبوته صلّى الله عليه وسلّم إلّا اليهود الذين أوتوا الكتاب بغيا منهم وحسدا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي الدلالات الواضحات على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بَغْياً بَيْنَهُمْ أي إنهم لم يبق لهم عذر في العدول عنه وترك ما جاء وإنما تركوا إتباعه بغيا وحسدا، وهو طلب الدنيا وطلب الرياسة فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي إلى ما اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ والمعنى فهدى الله الذين آمنوا لمعرفة ما اختلفوا فيه من الحق وقيل هو من المقلوب والمعنى فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلفوا فيه وكان اختلافهم الذي اختلفوا فيه الجمعة فهدى الله تعالى هذه الأمة الإسلامية إليها (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون يقوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله فغدا لليهود وبعد غد للنصارى» وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له» زاد النسائي: يعني يوم الجمعة، ثم اتفقا فالناس لنا تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد (م) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أضل الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الله الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق. وقيل اختلفوا في شأن القبلة فصلت اليهود نحو المغرب إلى بيت المقدس، وصلت النصارى إلى المشرق، وهدانا الله إلى الكعبة. وقيل اختلفوا في الصيام فهدانا الله لشهر رمضان، واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان نصرانيا، فهدانا إلى الحق فقلنا: كان حنيفا مسلما. واختلفوا في عيسى ابن مريم فاليهود فرطوا فيه والنصارى أفرطوا فيه، فهدانا الله في ذلك كله للحق. والمعنى فهدى الله الذين آمنوا إلى الحق الذي اختلف فيه من اختلف بِإِذْنِهِ يعني بعلمه وأمره وإرادته وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢١٤]]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)

قوله عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ نزلت في غزوة الأحزاب وهي غزوة الخندق، وذلك أن المسلمين أصابهم ما أصابهم من الجهد والشدة والخوف والبرد وضيق العيش الذي كانوا فيه يومئذ. وقيل: نزلت في غزوة أحد. وقيل: لما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة في أول الهجرة اشتد عليهم الضر لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا أموالهم وديارهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآثر قوم النفاق فأنزل الله هذه الآية تطييبا لقلوبهم. ومعنى الآية: أحسبتم والميم صلة. وقيل:

هل حسبتم والمعنى أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بمجرد الإيمان ولم يصبكم مثل ما أصاب من كان

<<  <  ج: ص:  >  >>