للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أي في رؤوسهم من الخوف والجبن كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ أي زال سَلَقُوكُمْ أي آذوكم. ورموكم في حالة الأمن بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير.

قوله تعالى يَحْسَبُونَ يعني هؤلاء المنافقين الْأَحْزابَ يعني قريشا وغطفان واليهود لَمْ يَذْهَبُوا أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبنا وفرقا وقد انصرفوا عنهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يعني هؤلاء المنافقين ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني يقاتلون قليلا يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.

قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسنا وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضا واستنوا بسنته لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يعني أن الأسوة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي في جميع المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي قالوا ذلك تسليما لأمر الله وتصديقا بوعده وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي فيما وعدا وهو في مقابلة قول المنافقين «ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا» وقولهم «وصدق الله ورسوله» ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً أي تصديقا لله وَتَسْلِيماً أي لأمره. قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء وَما بَدَّلُوا يعني عهدهم تَبْدِيلًا (ق) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وابرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحا من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>