للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرعون وقومه اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قيل هذا القتل غير القتل الأول لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الوالدان فلما بعث موسى عليه الصلاة والسلام أعاد القتل عليهم فمعناه أعيدوا عليهم القتل وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ أي استحيوا النساء ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى عليه الصلاة والسلام ومظاهرته وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ أي وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم إِلَّا فِي ضَلالٍ أي يذهب كيدهم باطلا ويحيق بهم ما يريده الله تعالى وَقالَ فِرْعَوْنُ أي لملئه ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وإنما قال فرعون هذا لأنه كان في خاصة قومه من يمنعه من قتل موسى وإنما منعوه عن قتله لأنه كان فيهم من يعتقد بقلبه أنه كان صادقا، وقيل قالوا لا تقتله فإنه هو ساحر ضعيف فلا يقدر أن يغلب سحرنا وإن قتلته قالت العامة كان محقا صادقا وعجزوا عن جوابه فقتلوه وَلْيَدْعُ رَبَّهُ أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ يعني يقول فرعون أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ يعني بذاك تغيير الدين وتبديله وعبادة غيره.

[سورة غافر (٤٠): الآيات ٢٧ الى ٢٩]

وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩)

وَقالَ مُوسى يعني لما توعده فرعون بالقتل إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ يعني أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يأت في دفع الشدة إلا بأن استعاذ بالله واعتمد عليه فلا جرم أن صانه الله عن كل بلية مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ أي متعظم عن الإيمان لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ قوله عز وجل: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قيل كان ابن عم فرعون وقيل كان من القبط وقيل كان من بني إسرائيل، فعلى هذا يكون معنى الآية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وكان اسم هذا المؤمن حزبيل عند ابن عباس وأكثر العلماء وقال إسحاق كان اسمه جبريل وقيل حبيب أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ أي لأن يقول رَبِّيَ اللَّهُ وهذا استفهام إنكار وهو إشارة إلى التوحيد وقوله وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ فيه إشارة إلى تقرير نبوته بإظهار المعجزة والمعنى وقد جاءكم بما يدل على صدقه وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ أي لا يضركم ذلك إنما يعود وبال كذبه عليه وَإِنْ يَكُ صادِقاً أي فكذبتموه يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ قيل معناه يصبكم الذي يعدكم إن قتلتموه وهو صادق، وقيل بعض على أصلها ومعناه كأنه قاله على طريق الاحتجاج أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفيه هلاككم فذكر البعض ليوجب الكل إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي يعني إلى دينه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ أي على الله تعالى (خ) عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولوى ثوبه في عنقه وخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ.

قوله عز وجل: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يعني غالبين في الأرض أي أرض مصر فَمَنْ يَنْصُرُنا يعني يمنعنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا والمعنى لكم الملك فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله تعالى إن حل بكم قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ أي من الرأي والنصيحة إِلَّا ما أَرى

<<  <  ج: ص:  >  >>