للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُهْطِعِينَ مسرعين مادي أعناقهم مقبلين إِلَى الدَّاعِ يعني إلى صوت الداعي وهو إسرافيل وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ أي صعب شديد وفيه إشارة إلى أن ذلك اليوم يوم شديد على الكافرين لا على المؤمنين.

قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا يعني نوحا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ أي زجروه على دعوته ومقالته بالشم والوعيد بقولهم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ فَدَعا يعني نوحا رَبَّهُ وقال أَنِّي مَغْلُوبٌ أي مقهور فَانْتَصِرْ أي فانتقم لي منهم فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ قيل هو على ظاهره وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا يستبعد ذلك لأنه قد صح في الحديث أن للسماء أبوابا. وقيل: هو على الاستعارة، فإن الظاهر أن يكون المطر من السحاب بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي منصب انصبابا شديدا لم ينقطع أربعين يوما وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أي وجعلنا الأرض كلها عيونا تسيل بالماء فَالْتَقَى الْماءُ يعني ماء السماء وماء الأرض عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أي قضى عليهم في أم الكتاب.

وقيل قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر وَحَمَلْناهُ يعني نوحا عَلى ذاتِ أَلْواحٍ يعني سفينة ذات ألواح. وأراد بالألواح، خشب السفينة العريضة. وَدُسُرٍ هي المسامير التي تشد بها الألواح وقيل الدسر صدر السفينة. وقيل: هي عوارض السفينة وأضلاعها.

وقيل: الألواح: جانبا السفينة، والدسر: أصلها وطرفاها. تَجْرِي يعني السفينة بِأَعْيُنِنا يعني بمرأى منا. وقيل: بحفظنا. وقيل: بأمرنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ يعني فعلنا ذلك به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابا لنوح لأنه كان كفر به وجحد أمره. وقيل لمن بمعنى لما أي جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم. وقيل: جزاء لما صنع بنوح وأصحابه.

[سورة القمر (٥٤): الآيات ١٥ الى ٢٤]

وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)

تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤)

وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً يعني الفعلة التي فعلنا بهم آية يعتبر بها. وقيل: أراد السفينة. قال قتادة: أبقاها الله تعالى بأرض الجزيرة عبرة حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يعني متذكر معتبر متعظ خائف مثل عقوبتهم (ق) عن ابن مسعود قال «قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مذكر فردها عليّ» وفي رواية أخرى «سمعته يقرؤها فهل من مدكر دالا» فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ يعني إنذاري وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ يعني سهلنا القرآن لِلذِّكْرِ يعني ليتذكر ويعتبر به قال سعيد بن جبير يسرناه للحفظ والقراءة وليس شيء من كتب الله تعالى يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يعني متعظ بمواعظه وفيه الحث على تعليم القرآن والاشتغال به لأنه قد يسره الله وسهله على من يشاء من عباده بحيث يسهل حفظه للصغير والكبير والعربي والعجمي وغيرهم.

قوله تعالى: كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أي إنذاري لهم بالعذاب إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي شديدة الهبوب فِي يَوْمِ نَحْسٍ أي يوم شؤم مُسْتَمِرٍّ أي دائم الشؤم استمر على جميعهم بنحو سنة فلم يبق منهم أحد إلا هلك فيه.

وقيل: كان ذلك اليوم يوم الأربعاء في آخر الشهر تَنْزِعُ النَّاسَ أي الريح تقلعهم ثم ترمي بهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>