للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وفق ما عندهم من غير سابقة دراسة، وتعلم علم إنما حصل له ذلك بالوحي السّماوي، فازدادوا بذلك إيمانا وتصديقا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم. وَلا يَرْتابَ أي ولا يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ يعني في عددهم وإنما قال ولا يرتاب وإن كان الاستيقان يدل على نفي الارتياب ليجمع لهم بين إثبات اليقين ونفي الشّك، وذلك أبلغ وآكد لأن فيه تعريضا بحال غيرهم كأنه قال: وليخالف حالهم حال الناس المرتابين من أهل الكفر، والنفاق وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق وَالْكافِرُونَ أي مشركو مكة.

فإن قلت لم يكن بمكة نفاق فكيف قال، وليقول الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون وهذه السورة مكية.

قلت لأنه كان في علم الله تعالى أن النفاق سيحدث فأخبره عما سيكون وهو كسائر الإخبار بالغيوب فعلى هذا تصير الآية معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه إخبار عن غيب سيقع وقد وقع على وفق الخبر، وقيل يحتمل أن يراد بالّذين في قلوبهم مرض أهل مكة لأن فيهم من هو شاك وفيهم من هو قاطع بالكذب ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يعني أي شيء أراد الله بهذا المثل العجيب، وإنما سموه مثلا لأنه استعارة من المثل المضروب لأنه مما غرب من الكلام وبدع استغرابا منهم لهذا العقد واستبعادا له، والمعنى أيّ غرض قصد في جعل الملائكة تسعة عشرة لا عشرين ومرادهم بذلك إنكار هذا من أصله وإنه ليس من عند الله فلهذا سموه مثلا كَذلِكَ أي كما أضل من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق به كذلك يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ لأن الله تعالى بيده الهداية والإضلال وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ هذا جواب لأبي جهل حين قال: أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر، والمعنى أن الخزنة تسعة عشر، ولهم أعوان وجنود من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى خلقوا لتعذيب أهل النار وقيل كما أن مقدورات الله تعالى غير متناهية فكذلك جنوده غير متناهية، وَما هِيَ يعني النار إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ أي إلا تذكرة وموعظة للناس، وقيل ما هي يعني آيات القرآن ومواعظه إلا تذكرة للناس يتعظون بها كَلَّا أي لا يتعظون ولا يتذكرون، وقيل معناه ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه خزنة النار وقيل كلا هنا بمعنى حقا وَالْقَمَرِ.

[سورة المدثر (٧٤): الآيات ٣٣ الى ٤١]

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أي ولى ذاهبا، وقيل دبر بمعنى أقبل تقول العرب دبرني فلان أي جاء خلفي فاللّيل يأتي خلف النهار وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أي أضاء وتبين وهذا قسم وجوابه إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ يعني إن سقر لإحدى الأمور العظام، وقيل أراد بالكبر دركات النار وهي سبعة جهنم ولظى والحطمة والسّعير وسقر والجحيم والهاوية نَذِيراً لِلْبَشَرِ قيل يحتمل أن يكون نذيرا صفة للنار، والمعنى أن النّار نذير للبشر قال الحسن: والله ما أنذر بشيء أدهى من النار، وقيل يجوز أن يكون نذيرا صفة لله تعالى، والمعنى أنا لكم منها نذير فاتقوها وقيل هو صفة للنبي صلّى الله عليه وسلّم ومعناه يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أي يتقدم في الخير والطّاعة أو يتأخر عنهما فيقع في الشر والمعصية، والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل واحد ممن آمن أو كفر، وقد تمسك بهذه الآية من يرى أن العبد غير مجبور على الفعل وأنه متمكن من فعل نفسه.

وأجيب عنه بأن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى وقيل إضافة المشيئة إلى المخاطبين على سبيل التهديد كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وقيل هذه المشيئة لله تعالى، والمعنى لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر.

قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي مرتهنة في النّار بكسبها ومأخوذة بعملها إِلَّا أَصْحابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>