للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعظيم لها، والتّشويق إلى خيرها ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه:

فقال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال ابن عباس: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من بني إسرائيل حمل السّلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لذلك، وتمنى ذلك لأمته فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال ليلة القدر خير من ألف شهر التي حمل فيها الإسرائيلي السّلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة، وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أرى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أي لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر أخرجه مالك في الموطأ قال المفسرون: معناه العمل الصّالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.

الوجه الثاني: من فضلها قوله عزّ وجلّ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ يعني إلى الأرض وسبب هذا أنهم لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وظهر أن الأمر بخلاف ما قالوه وتبين حال المؤمنين وما هم عليه من الطاعة، والعبادة، والجد، والاجتهاد نزلوا إليهم ليسلموا عليها ويعتذروا مما قالوه، ويستغفروا لهم لما يرون من تقصير قد يقع من بعضهم وَالرُّوحُ يعني جبريل عليه الصّلاة والسّلام قاله أكثر المفسرين: وفي حديث أنس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون، ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عزّ وجلّ» ذكره ابن الجوزي، وقيل إن الرّوح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، وقيل إن الروح ملك عظيم ينزل مع الملائكة، تلك الليلة فِيها أي في ليلة القدر بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أي بكل أمر من الخير والبركة، وقيل بكل ما أمر به وقضاه من كل أمر.

الوجه الثالث: من فضلها قوله تعالى: سَلامٌ أي سلام على أولياء الله وأهل طاعته قال الشّعبي: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عزّ وجلّ، وقيل تم الكلام عند قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ثم ابتدأ فقال تعالى: سَلامٌ هِيَ يعني القدر سلامة وخير ليس فيها شر، وقيل لا يقدر الله في تلك اللّيلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يحدث فيها أذى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي أن ذلك السّلام أو السّلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

<<  <  ج: ص:  >  >>