للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كرره توكيدا والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت، فهو وعيد بعد وعيد، وقيل معناه كلا سوف تعلمون يعني الكافرين ثم كلا سوف تعلمون يعني المؤمنين وصاحب هذا القول يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أي علما يقينا وجواب لو محذوف والمعنى لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التّكاثر والتّفاخر، قال قتادة كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ اللام تدل على أنه جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد، وإن ما أوعدوا به لا يدخله شك ولا ريب، والمعنى أنكم ترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت ثُمَّ لَتَرَوُنَّها يعني مشاهدة عَيْنَ الْيَقِينِ وإنما كرر الرّؤية لتأكيد الوعيد ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التّكاثر بالدّنيا، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره سألهم عن ذلك، وقيل إن هذا السّؤال يعم الكافر، والمؤمن، وهو الأولى لكن سؤال الكافر توبيخ، وتقريع لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي «عن الزّبير قال لما نزلت ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال الزبير: يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التّمر والماء قال أما أنه سيكون» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه، فروي عن ابن مسعود رفعه قال لتسألن يومئذ عن النّعيم قال الأمن، والصحة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد» أخرجه التّرمذي وقال حديث غريب (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال صلّى الله عليه وسلّم ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة، قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أين فلان قالت ذهب يستعذب لنا الماء إذا جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني قال فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياك والحلوب، فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم» وأخرجه التّرمذي بأطول من هذا «وفيه ظل بارد ورطب طيب وماء بارد» وروي عن ابن عباس قال: النّعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العبيد يوم القيامة فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وقيل يسأل عن الصحة والفراغ والمال (خ) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»، وقيل الذي يسأل العبد عنه هو القدر الزائد على ما يحتاج إليه فإنه لا بد لكل أحد من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وقيل يسأل عن تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، وقيل عن الإسلام فإنه أكبر النّعم، وقيل يسأل عما أنعم به عليكم وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أنقذكم به من الضّلال إلى الهدى، والنّور وامتنّ به عليكم والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>