للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلتهم، وفيه دليل قاطع وبرهان واضح على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم لأنه لم يرو أحد من موافق ومخالف أنهم أجابوا إلى المباهلة لأنهم عرفوا صحة نبوته وما يدل عليها في كتبهم. قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣): الآيات ٦٢ الى ٦٤]

إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)

إِنَّ هذا يعني الذي قص عليك يا محمد من خبر عيسى عليه السلام وأنه عبد الله ورسوله لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وأصله من القصص وهو تتبع الأثر والقصص الخبر الذي تتتابع فيه المعاني وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ إنما دخلت من لتوكيد النفي والمعنى أن عيسى ليس بإله كما زعمت النصارى ففيه رد عليهم ونفي جميع من ادّعى من المشركين أنهم آلهة وإثبات الإلهية لله تعالى وحده لا شريك له في الإلهية وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب المنتقم ممن عصاه وخالف أمره وادّعى معه إلها آخر الْحَكِيمُ يعني في تدبيره وفيه رد على النصارى لأن عيسى لم يكن كذلك فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني فإن أعرضوا عن الإيمان ولم يقبلوه فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ أي الذين يعبدون غير الله ويدعون الناس إلى عبادة غيره وفيه وعيد وتهديد لهم. قوله لهم. قوله عز وجل: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ قال المفسرون: لما قدم وفد نجران المدينة اجتمعوا باليهود واختصموا في إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فزعمت النصارى أنه كان نصرانيا وهم على دينه وأولى الناس به وقالت اليهود: بل كان يهوديا وهم على دينه وأولى الناس به فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان حنيفا مسلما وأنا على دينه فاتبعوا دينه الإسلام فقالت اليهود: ما تريد إلّا أن نتخذك ربما كما اتخذت النصارى عيسى ربا. وقالت النصارى: يا محمد ما تريد إلّا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير فأنزل الله عز وجل: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا أي هلموا إلى كلمة يعني فيها إنصاف ولا ميل فيها لأحد على صاحبه، والعرب تسمي كل قصة أو قصيدة لها أول وآخر وشرح كلمة سواء أي عدل لا يختلف فيها التوراة والإنجيل والقرآن وتفسير الكلمة قوله: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك أن النصارى عبدوا غير الله وهو المسيح وأشركوا به وهو قولهم أب وابن وروح القدس فجعلوا الواحد ثلاثة واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وذلك أنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الشرك ويسجدون لهم فهذا معنى اتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فثبت أن النصارى قد جمعوا بين هذه الثلاثة أشياء ومعنى الآية قل: يا محمد لليهود والنصارى هلموا إلى أمر عدل نصف وهو أن لا نقول عزير ابن الله ولا نقول المسيح ابن الله لأن كل واحد منهما بشر مخلوق مثلنا ولا نطيع أحبارنا ورهباننا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع ولا يسجد بعضنا لبعض لأن السجود لغير الله حرام فلا نسجد لغير الله وقيل: معناه ولا نطيع أحدا في معصية الله فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني فإن أعرضوا عما أمرتهم به فَقُولُوا أنتم لهؤلاء اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي مخلصون بالتوحيد لله والعبادة له. (ق) عن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه وهو بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم اليرسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون لفظ الحديث أحد روايات البخاري، وقد أخرجه

<<  <  ج: ص:  >  >>