للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كحة امرأة أوس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله مات أوس بن ثابت وترك ثلاثة بنات وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهن وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة ولم يعطياني ولا بناته منه شيئا وهن في حجري ولا يطعمن ولا يسقين فدعاهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله إن ولدها لا يركبن فرسا ولا يحملن كلأ ولا ينكبن عدوا فأنزل الله هذه الآية وبين أن الإرث ليس مختصا بالرجال بل هو أمر يشترك فيه الرجال والنساء. فقال تعالى للرجال يعني الذكور من أولاد الميت وعصبته نصيب أي حظ مما ترك الوالدان والأقربون يعني من لميراث وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ يعني وللإناث من أولاد الميت حظ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ يعني من المال المخلف عن الميت نَصِيباً مَفْرُوضاً يعني معلوما والفرض ما فرضه الله تعالى وهو آكد من الواجب فلما نزلت هذه الآية مجملة ولم يبين كم هو النصيب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سويد وعرفجة لا تفرقا من المال شيئا فإن الله تعالى قد جعل لبناته نصيبا مما ترك ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل فيهن فأنزل الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ الآية فلما نزلت أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سويد وعرفجة أن ادفعا إلى أم كحة الثمن مما ترك وإلى بناته الثلثين ولكما باقي المال. قوله عز وجل:

[[سورة النساء (٤): آية ٨]]

وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)

وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ يعني قسمة الميراث فعلى هذا القول يكون الخطاب للوارثين أُولُوا الْقُرْبى يعني القرابة الذين لا يرثون وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ إنما قدم اليتامى لشدة ضعفهم وحاجتهم فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ أي فارضخوا لهم من المال قبل القسمة. واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هذه الآية منسوخة بآية المواريث وهذا قبل نزول آية المواريث فلما نزلت آية المواريث جعلت لأهلها ونسخت هذه الآية وهي رواية مجاهد عن ابن عباس وقول سعيد بن المسيب وعكرمة والضحاك وقتادة وقال قوم هي محكمة غير منسوخة.

وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس وهو قول أبي موسى الأشعري والحسن وأبي العالية والشعبي وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي والزهري ثم اختلف العلماء بعد القول بأنها محكمة هل هذا الأمر أمر وجوب أو ندب على قولين: أحدهما أنه واجب فقيل إن كان لوارث كبيرا وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر تطيب به نفسه وإن الوارث صغيرا وجب على الولي أن يعتذر إليهم ويقول إني لا أملك هذا المال وهو لهؤلاء الضعفاء. قال ابن عباس إن كان الورثة كبارا رضخوا لهم وإن كان الورثة صغارا اعتذر إليهم فيقول الولي أو الوصي إني لا أملك هذا المال وإنما هو للصغار ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم وإن يكبروا فسيعرفوا حقكم هذا هو القول المعروف وقال بعضهم: هذا حق واجب في مال الصغار والكبار فإن كان الورثة كبارا تولوا إعطاءهم بأنفسهم وإن كانوا صغارا أعطى وليهم. وروى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت وصنعت طعاما لأجل هذه الآية وقال لولا هذه الآية لكان هذا من مالي، وقال الحسن والنخعي هذا الرضخ مختص بقسمة الأعيان فإذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك فقولوا لهم قولا معروفا وقيل كانوا يعطون التابوت والأواني ورث الثياب والمتاع الذي يستحي من قسمته والقول الثاني إن هذا الأمر ندب واستحباب لا على سبيل الفرض والإيجاب وهذا القول هو الأصح الذي عليه العمل اليوم واحتجوا لهذا القول بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبينه الله تعالى كما بين سائر الحقوق فحيث لم يبين علمنا أن ذلك غير واجب وقيل في معنى الآية أن المراد بالقسمة الوصية فإذا حضر الوصية من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أمر الله الوصي أن يجعل لهم نصيبا من تلك الوصية ويقول لهم مع ذلك قولا معروفا وقوله:

وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً هو أن لا يتبع العطية بالمن والأذى. قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>