للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى لا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منه أو للدخول فيه مثل أن يكون قد نام في المسجد فأجنب فيجب الخروج منه أو يكون الماء في المسجد فيدخل إليه أو يكون طريقه عليه فيمر فيه من غير إقامة وهذا قول ابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء الخراساني والنخعي والزهري وإليه ذهب الشافعي وأحمد. القول الثاني أن المراد من قوله إلّا عابري سبيل المسافرون والمعنى لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين ولم تجدوا الماء فتيمموا فمنع الجنب من الصلاة حتى يغتسل إلا أن يكون في سفر ولا ماء معه فيتيمم ويصلّي إلى أن يجد الماء فيغتسل وهذا قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة فمن جعل عابري السبيل المسافرين منه الجنب من العبور في المسجد وهو مذهب أبي حنيفة. وصحح ابن جرير الطبري الواحدي القول الأول ويدل على صحته وجهان: أحدهما أن المسافر الجنب لا تصح صلاته بدون التيمم ولم يذكر التيمم هاهنا فيحتاج إلى إضمار شيئين: عدم الماء وذكر التيمم وعلى القول الأول لا يحتاج إلى إضمار شيء. الوجه الثاني أن الله تعالى ذكر حكم السفر وعدم الماء وجواز التيمم بعد هذا فلا يحل هذا على حكم معاد في الآية ويدل على أن جميع القراء استحسنوا الوقف على قوله: حَتَّى تَغْتَسِلُوا يعني إلى أن تغتسلوا وفيه دليل على أن حكم الجنابة باق على الجنب إلى غاية هي الاغتسال.

(فصل في أحكام تتعلق بالآية) اختلف العلماء في العبور في المسجد فأباحه قوم على الإطلاق وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي ومنعه بعضهم على الإطلاق وهو قول أصحاب الرأي. وقال قوم يتيمم للعبور في المسجد واختلف العلماء في المكث في المسجد أيضا للجنب فمنعه أكثر أهل العلم وقالوا لا يجوز للجنب المكث في المسجد بحال لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة فخرج إليهم بعد.

فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل لحائض ولا جنب أخرجه أبو داود وجوز أحمد المكث في المسجد بشرط الوضوء به. قال المزني من أصحاب الشافعي وأجاب أحمد عن حديث عائشة بأنه في رواته مجهول. وقال عبد الحق لا يثبت من قبل إسناده وأستدل أحمد لمذهبه بما روي عن عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة أخرجه سعيد بن منصور في مسنده واحتج لمذهب الجمهور بعموم الآية وبما روي عن أم سلمة قالت دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته أن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض أخرجه ابن ماجة ويحرم على الجنب أيضا الطواف وقراءة القرآن كما يحرم عليه فعل الصلاة ويدل على ذلك أيضا ما روي عن علي بن أبي طالب قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه وربما قال ولا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي ولفظه كان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا وقال حديث حسن صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقرأ الجنب ولا الحائض ولا النفساء من القرآن شيئا» أخرجه الدارقطني ويجب الغسل بأحد شيئين: بإنزال المني وهو الماء الدافق أو بإيلاج الحشفة في الفرج وإن لم ينزل ويدل على ذلك ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الوجه يرى أنه احتلم ولا يجد بللا. قال لا غسل عليه قالت أم سلمة والمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال نعم؟ أخرجه أبو داود والترمذي (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» زاد في رواية وإن لم ينزل.

وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض وأراد به المرض الذي يضر معه إمساس الماء مثل الجدري

<<  <  ج: ص:  >  >>