للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السموات والأرض هم أطوع له منكم. وقيل معناه أن الله تعالى خالق السموات والأرض وما فيه ومالكهن، والمنعم عليهم بأصناف النعم ومن كان كذلك فحق لكل أحد أن يتقيه ويرجوه وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا يعني عن جميع خلقه غير محتاج إليهم ولا إلى طاعتهم حَمِيداً يعني محمودا على نعمه عليهم وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا قال ابن عباس يعني شهيدا على أن له فيهن عبيدا وقيل معناه وكفى بالله دافعا ومجيرا.

فإن قلت ما الفائدة في تكرير قوله تعالى: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قلت الفائدة في ذلك أن لكل آية معنى تخص به، أما الآية الأولى فمعناها فإن لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بتقوى الله فاقبلوا وصيته وقيل لما قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ بيّن أن له ما في السموات وما في الأرض وأنه قادر على إغناء جميع الخلائق وهو المستغني عنهم. وأما الآية الثانية فإنه تعالى قال: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ والمراد أنه تعالى منزه عن طاعات الطائعين وعن ذنوب المذنبين وأنه لا يزداد جلاله بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي. وقيل لما بين أن له ما في السموات وما في الأرض وقال بعد ذلك:

وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً فالمراد منه أنه تعالى هو الغني وله الملك فاطلبوا منه ما تطلبون فهو يعطيكم لأن له ما في السموات وما في الأرض. وأما الثالثة فقال تعالى: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي فتوكلوا عليه ولا تتوكلوا على غيره فإنه المالك لما في السموات والأرض. وقيل تكريرها تعديدها لما هو موجب تقواه لتتقوه وتطيعوه ولا تعصوه لأن التقوى والخشية أصل كل خير.

قوله عز وجل: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ قال ابن عباس: يريد المشركين والمنافقين وَيَأْتِ بِآخَرِينَ بغيركم هم خير منكم وأطوع له ففيه تهديد للكفار والمعنى أنه يهلككم أيها الكفار كما أهلك من كان قبلكم، إذ كفروا به وكذبوا به وكذبوا رسله وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً يعني وكان الله على ذلك الإهلاك وإعادة غيركم قادرا بليغا في القدرة لا يمتنع عليه شيء أراده لم يزل ولا يزال موصوفا بالقدرة على جميع الأشياء. قوله تعالى:

[سورة النساء (٤): الآيات ١٣٤ الى ١٣٦]

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا يعني من كان يريد بعمله عرضا من الدنيا نزلت في مشركي العرب وذلك أنهم كانوا يقرون بالله تعالى خالقهم ولا يقرون بالبعث يوم القيامة فكانوا يقربون إلى الله ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها وقيل نزلت في المنافقين لأنهم كانوا لا يصدقون بيوم القيامة، وإنما كانوا يطلبون بجهادهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاجل الدنيا وهو ما ينالونه من الغنيمة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعني الذين يطلبون بأعمالهم وجهادهم ثواب الدنيا وما ينالونه من الغنيمة مخطئون في قصدهم لأن الله عنده ثواب الدنيا وثواب الآخرة فلو كانوا عقلاء لطلبوا ثواب الآخرة حتى يحصل لهم ذلك ويحصل لهم ثواب الدنيا على سبيل التبعية والمعنى أن من أراد بعمله الدنيا آتاه الله منها ما أراد وصرف عنه من شرها ما أراد وليس له ثواب في الآخرة يجزى به، ومن أراد بعمله وجه الله وثواب الآخرة فعند الله ثواب الدنيا والآخرة يؤتيه من الدنيا ما قدر له ويجزيه في الآخرة خير الجزاء وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً يعني لأقوالهم وما يسرونه من طلب ثواب الدنيا بَصِيراً يعني بنياتهم وما في نفوسهم وقيل بصيرا بمن يطلب الدنيا بعمله وبمن يطلب الآخرة بعمله. قوله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>