للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنهم يقولون إن عيسى جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وبأقنوم الابن وأقنوم روح القدس وأنهم يريدون بأقنوم الأب الذات وأقنوم الابن عيسى. وبأقنوم روح القدس الحياة الحالة فيه فتقديره عندهم الإله ثلاثة، وقيل إنهم يقولون في عيسى ناسوتية وألوهية فناسوتيته من قبل الأم وألوهيته من قبل الأب تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا يقال إن الذي أظهر هذا للنصارى رجل من اليهود يقال له بولص تنصر ودس هذا في دين النصارى ليضلهم بذلك. وستأتي قصته في سورة التوبة إن شاء الله تعالى وقيل يحتمل أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى جميعا. فإنهم غلوا في أمر عيسى عليه السلام. فأما اليهود فإنهم بالغوا في التقصير في أمره حتى حطوه عن منزلته حيث جعلوه مولودا لغير رشدة وغلت النصارى في رفع عيسى عن منزلته ومقداره حيث جعلوه إلها فقال الله تعالى ردا عليهم جميعا يا أهل الكتاب لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وأصل الغلو مجاوزة الحد وهو في الدين حرام والمعنى لا تفرطوا في أمر عيسى ولا تحطوه عن منزلته ولا ترفعوه فوق قدره ومنزلته وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ يعني لا تقولوا إن له شريكا وولدا وقيل معناه لا تصفوه بالحلول والاتحاد في بدن الإنسان ونزهوا الله تعالى عن ذلك، ولما منعهم الله من الغلو في دينهم أرشدهم إلى طريق الحق في أمر عيسى عليه السلام فقال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ يقول إنما المسيح هو عيسى ابن مريم ليس له نسب غير هذا وأنه رسول الله فمن زعم غير هذا فقد كفر وأشرك وَكَلِمَتُهُ هي قوله تعالى: كن فكان بشرا من غير أب ولا واسطة أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ يعني أوصلها إلى مريم وَرُوحٌ مِنْهُ يعني أنه كسائر الأرواح التي خلقها الله تعالى وإنما أضافه إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم كما يقال بيت الله وناقة الله. وهذه نعمة من الله يعني أنه تفضل بها وقيل الروح هو الذي نفخ فيه جبريل في جيب درع مريم فحملت بإذن الله. وإنما أضافه إلى نفسه بقوله منه لأنه وجد بأمر الله قال بعض المفسرين إن الله تعالى لما خلق أرواح البشر جعلها في صلب آدم عليه السلام، وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام فلما أراد الله أن يخلقه أرسل بروحه مع جبريل إلى مريم فنفخ في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام وقيل إن الروح والريح متقاربان في كلام العرب، فالروح عبارة عن نفخ جبريل عليه السلام وقوله منه يعني إن ذلك النفخ كان يأمره وإذنه وقيل أدخل النكرة في قوله وروح على سبيل التعظيم والمعنى روح وأي روح من الأرواح القدسية العالية المطهرة وقوله منه إضافته تلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف والتكريم (ق) عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».

وقوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يعني فصدقوا يا أهل الكتاب بوحدانية الله وأنه لا ولد له وصدقوا رسله فيما جاءكم به من عند الله وصدقوا بأن عيسى عليه السلام من رسل الله فآمنوا به ولا تجعلوه إله وقوله تعالى:

وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ يعني ولا تقولوا الآلهة ثلاثة وذلك أن النصارى يقولون أب وابن وروح القدس وقيل إنهم يقولون إن الله بالجوهر ثلاثة أقانيم وذلك أنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاثة بدليل أنهم يجوزون على تلك الذات الحلول في عيسى وفي مريم فأثبتوا ذواتا متعددة ثلاثة وهذا هو محض الكفر. فلهذا قال الله تعالى ولا تقولوا ثلاثة انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ يعني يكون الانتهاء عن هذا القول خير لكم من القول بالتثليث ثم نزه الله تعالى نفسه عن قول النصارى بالتثليث فقال تعالى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ ثم نزه نفسه عن الولد فقال سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يعني لا ينبغي أن يكون له ولد لأن الولد جزء من الأب وتعالى الله عن التجزئة، وعن صفات الحدوث لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني أنه تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهما عبيده وملكه وعيسى ومريم من جملة من فيهما فهما عبيده وملكه فإذا كانا عبدين له فكيف يعقل مع هذا أن له ولدا أو زوجة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا؟ وهذا بيان لتنزيهه مما نسب إليه من الولد والمعنى أن جميع ما في السموات والأرض خلقه

<<  <  ج: ص:  >  >>