للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبلوها لما فيها من الآصار يعني الأثقال والتكاليف الشاقة أمر الله تعالى جبريل عليه السلام، أن يقلع جبلا على قدر عسكرهم وكان قدره فرسخا في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم قدر قامة كالظلة وقيل لهم: إن لم تقبلوا ما في التوراة وإلا أرسلت هذا الجبل عليكم خُذُوا أي قلنا لهم خذوا ما آتَيْناكُمْ أي ما أعطيناكم بِقُوَّةٍ أي بجد واجتهاد وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أي ادرسوا ما فيه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى وإلا رضت رؤوسكم بهذا الجبل فلما رأوا ذلك نازلا بهم قبلوا وسجدوا، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصار ذلك سنة في سجود اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم، ويقولون: بهذا السجود رفع عنا العذاب.

[سورة البقرة (٢): الآيات ٦٤ الى ٦٧]

ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)

ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد ما قبلتم التوراة فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي بالإمهال لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي المغبونين بذهاب الدنيا والعذاب في العقبى. قوله عز وجل: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ أي جاوزوا الحد فِي السَّبْتِ يقال: سبت اليهود لأنهم يعظمونه ويقطعون فيه أعمالهم، وأصل السبت القطع.

(ذكر الإشارة إلى القصة) قال العلماء: بالأخبار إنهم كانوا في زمن داود عليه الصلاة والسلام بقرية بأرض أيلة وحرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فكان إذا دخل يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى لا يرى الماء من كثرتها. فإذا مضى السبت تفرقت الحيتان ولزمن قعر البحر فذلك قوله تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ثم إن الشيطان وسوس إليهم، وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ولم تنهوا عن أخذها في غيره فعمد رجال منهم فحفروا حياضا كبارا حول البحر، وشرعوا منه إليها أنهارا فإذا كان عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار فيقبل الموج من البحر بالحيتان إلى تلك الحياض فيقعن فيها ولا يقدرن على الخروج منها لعمقها، فإذا كان يوم الأحد أخذوها وقيل: إنهم كانوا ينصبون الشخوص والحبائل يوم الجمعة، ويخرجونها يوم الأحد ففعلوا ذلك زمانا ولم تنزل بهم عقوبة فتجرؤوا على السبت وقالوا ما نرى السبت إلا قد أحل لنا فأخذوا وملحوا وأكلوا وباعوا واشتروا فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية ثلاثة أصناف، وكانوا نحو سبعين ألفا صنف أمسك عن الصيد ونهى عن الاصطياد وصنف أمسك ولم ينه وصنف انهمكوا في الذنب وهتكوا الحرمة وكان الصنف الناهون اثني عشر ألفا، فلما أبى المجرمون قبول نصيحتهم قالوا: والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بينهم بجدار فغيروا على ذلك سنين، ثم لعنهم داود وغضب الله عليهم لإصرارهم على المعصية فخرج الناهون ذات يوم من بابهم ولم يخرج من المجرمين أحد، ولم يفتحوا الباب فلما أبطئوا تسوروا عليهم الجدار فإذا هم جميع قردة لهم أذناب وهم تتعاوون، وقيل: صار الشباب قردة والشيوخ خنازير فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يمكث مسخ فوق ثلاث ولم يتولدوا. قال الله عز وجل: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أمر تحويل وتكوين، ومعنى خاسئين مبعدين مطرودين وقيل فيه تقديم وتأخير معناه كونوا خاسئين قردة ولهذا لم يقل خاسئات فَجَعَلْناها يعني عقوبتهم بالمسخ نَكالًا أي عقوبة وعبرة لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>