للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي قربة. وقيل: معنى الوسيلة المحبة أي تحببوا إلى الله عز وجل وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ أي وجاهدوا العدو في طاعته وابتغاء مرضاته لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني لكي تسعدوا بالخلود في جنته لأن الفلاح اسم جامع للخلاص من كل مكروه والفوز بكل محبوب قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ يعني: أن الكافر لو ملك الدنيا ودنيا أخرى مثلها معها ثم فدى نفسه من العذاب يوم القيامة لم يقبل منه ذلك الفداء وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ المقصود من هذا أن العذاب لازم للكفار وأنه لا سبيل لهم إلا الخلاص منه بوجه من الوجوه (ق). عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا كلها أكنت مفتديا بها فيقول نعم فيقول قد أردت منك أيسر من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي ولا أدخلك النار وأدخلك الجنة فأبيت إلا الشرك» هذا لفظ مسلم.

وفي رواية البخاري قال: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقال له لقد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك أن لا تشرك بي يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها فيه وجهان: أحدهما أنهم يقصدون الخروج من النار ويطلبونه ولكن لا يستطيعون ذلك قيل إذا حملهم لهب النار إلى فوق طلبوا الخروج منها فلا يقدرون عليه.

والوجه الثاني: أنهم يتمنون الخروج من النار بقلوبهم وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ يعني ولهم عذاب دائم ثابت لا يزول عنهم ولا ينتقل أبدا. قوله عز وجل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما قال ابن السائب نزلت في طعمة بن أبيرق وقدمنا قصته في سورة النساء وإنما سمي السارق سارق لأنه يأخذ الشيء الذي ليس له أخذه في خفاء ومنه استرق السمع مستخفيا والسارق هنا مرفوع بالابتداء لأنه لم يقصد واحد بعينه إنما هو كقولك من سرق فاقطع يده والمراد باليد المذكورة هنا اليمين. قاله الحسن والشعبي والسدي وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود: فاقطعوا أيمانهما. وإنما قال: أيديهما ولم يقل يديهما، لأنه أراد يمينا من هذا ويمينا من هذه فجمع فإنه ليس للإنسان إلا يمين واحدة وكل شيء موحد من أعضاء الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع والمراد باليد هنا الجارحة وحدها عند جمهور أهل اللغة من رؤوس الأصابع إلى الكوع فيجب قطعها في حد السرقة من الكوع. وقوله تعالى: جَزاءً بِما كَسَبا يعني ذلك القطع جزاء على فعلهم نَكالًا مِنَ اللَّهِ يعني عقوبة من الله وَاللَّهُ عَزِيزٌ في انتقامه ممن عصاه حَكِيمٌ يعني فيما أوجبه من قطع يد السارق.

(فصل في بيان حكم الآية: وفيه مسائل) المسألة الأولى: اقتضت هذه وجوب القطع على كل سارق وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرقة (ق).

عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب ثم قال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وعن عائشة قالت: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه فقالوا ما كنا نراك تبلغ به هذا قال لو كانت فاطمة لقطعتها» أخرجه النسائي (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده» قال الأعمش:

يرون أنه بيض الحديد وأن من الحبال ما يساوي دراهم أخرجه البخاري ومسلم، أما السارق الذي يجب عليه القطع، فهو البالغ، العاقل، العالم بتحريم السرقة، فلو كان حديث عهد بالإسلام ولا يعلم أن السرقة حرام، فلا قطع عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>