للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا وإن شئتم فلن تفعلوا، فكان هذا تحريفهم ومن فسر الفريق الذين كانوا يسمعون كلام الله بالذين كانوا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال كان تحريفهم تبديلهم صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم وآية الرجم في التوراة مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي علموا صحة كلام الله ومراده فيه ثم مع ذلك خالفوه وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي فساد مخالفته ويعلمون أيضا أنهم كاذبون. قوله عز وجل وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا نزلت هذه الآية في اليهود، الذين كانوا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن منافقي اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا لهم: آمنا بالذي آمنتم به وإن صاحبكم صادق وقوله حق وإنا نجد نعته وصفته في كتابنا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ يعني كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا ورؤساء اليهود لاموا منافقي اليهود على ذلك وقالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني قص الله عليكم في كتابكم من صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنه حق وقوله صدق لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ أي ليخاصمكم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم ويحتجوا عليكم بقولكم فيقولون لكم قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم لم لا تتبعونه، وذلك أن اليهود قالوا لأهل المدينة حين شاوروهم في إتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم: آمنوا به فإنه نبي حق ثم لام بعضهم بعضا، وقالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم عِنْدَ رَبِّكُمْ أي في الدنيا والآخرة وقيل: هو قول يهود بني قريظة بعضهم لبعض.

حين قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا إخوان القردة والخنازير. قالوا: من أخبر محمدا بهذا؟ هذا ما خرج إلا منكم وقيل:

إن اليهود أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به من الجنايات. فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما قضى الله عليكم من العذاب ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله أَفَلا تَعْقِلُونَ أي إن ذلك لا يليق بما أنتم عليه.

[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٧ الى ٧٩]

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)

أَوَلا يَعْلَمُونَ يعني اليهود أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ أي ما يخفون وَما يُعْلِنُونَ أي ما يبدون وما يظهرون. قوله عز وجل: وَمِنْهُمْ أي من اليهود أُمِّيُّونَ أي لا يحسنون الكتابة ولا القراءة جمع أمي وهو المنسوب إلى أمه كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ جمع أمنية وهي التلاوة، ومنه قول الشاعر:

تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل

أي تلا كتاب الله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه غير عارفين بمعاني كتاب الله تعالى وقيل الأماني الأحاديث الكاذبة المختلفة وهي الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم وأضافوها إلى الله تعالى وذلك من تغيير نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وصفته وغير ذلك، وقيل: هو من التمني وهو قولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً وغير ذلك مما تمنوه فعلى هذا يكون المعنى لا يعلمون الكتاب. لكن يتمنون أشياء لا تحصل لهم وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي على يقين فَوَيْلٌ الويل كلمة تقولها العرب لكل من وقع في هلكة وأصلها في اللغة العذاب والهلاك وقال ابن عباس: الويل شدة العذاب وعن أبي سعيد الخدري. قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. الخريف سنة لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ تأكيد للكتابة لأنه يحتمل أن يأمر غيره بأن يكتب فقال: بأيديهم لنفي هذه الشبهة والمراد بالذين يكتبون الكتاب اليهود وذلك أن رؤساء اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رئاستهم حين قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاحتالوا في تعويق سفلتهم عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة فغيروها، وكانت صفته فيها حسن الوجه حسن الشعر أكحل العينين ربعة فغيروا ذلك وكتبوا مكانه طوال أزرق العينين سبط الشعر

<<  <  ج: ص:  >  >>