للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ في أرض مصر من العمارات والبنيان وَما كانُوا يَعْرِشُونَ يعني يسقفون من ذلك البنيان وقال مجاهد: ما كانوا يبنون من البيوت والقصور. وقال الحسن: وما كانوا يعرشون من الثمار والأعناب.

قوله عز وجل: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ يعني وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد إهلاك فرعون وقومه وإغراقهم فيه يقال جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره.

وقال الكلبي عبر موسى البحر يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصامه شكرا لله تعالى: فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ يعني فمر بنو إسرائيل بعد مجاوزة البحر على قوم يعكفون أي يقيمون ويواظبون على أصنام لهم يعني تماثيل لهم كانوا يعبدونها من دون الله. قال ابن جريج: كانت تلك الأصنام تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل. وقال قتادة: كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة يعني بالرقة ساحل البحر وقيل كان أولئك الأقوام من الكنعانيين الذين أمر موسى عليه الصلاة والسلام بقتالهم قالُوا يعني قال بنو إسرائيل لموسى لما رأوا ذلك التمثال يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ يعني كما لهم أصنام يعبدونها ويعظمونها فاجعل لنا أنت إلها نعبده ونعظمه. قال البغوي رحمه الله: ولم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله تعالى وإنما معناه اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم وقال غيره هذا يدل على غاية جهل بني إسرائيل وذلك أنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى بعد ما رأوا الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وهي الآيات التي توالت على قوم فرعون حتى أغرقهم الله تعالى في البحر بكفرهم وعبادتهم غير الله تعالى فحملهم جهلهم على أن قالوا لنبيهم موسى عليه الصلاة والسلام اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فرد عليهم موسى عليه الصلاة والسلام بقوله قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ يعني تجهلون عظمة الله تعالى وأنه لا يستحق أن يعبد سواه لأنه هو الذي أنجاكم من فرعون وقومه فأغرقهم في البحر وأنجاكم منه. عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم» أخرجه الترمذي.

وقوله تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ أي مهلك والتتبير الإهلاك وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ البطلان عبارة عن عدم الشيء إما بعدم ذاته أو بعدم فائده ونفعه والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من ذلك العمل نفع ولا يدفع عنهم ضرا لأنه عمل لغير الله تعالى فكان باطلا لا نفع فيه قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً لما قال بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام اجعل لنا إلها كما لهم آلهة حكم عليهم بالجهالة وقال مجيبا لهم على سبيل العجب والإنكار عليهم أغير الله أبغيكم إلها يعني أطلب لكم وأبغي لكم إلها وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ والمعنى أن الإله ليس هو شيئا يطلب ويلتمس ويتخير بل الإله هو الذي فضلكم على العالمين لأنه القادر على الإنعام والإفضال فهو هذا الذي يستحق أن يعبد ويطاع لا عبادة غيره ومعنى قوله فضلكم على العالمين يعني على عالمي زمانكم وقيل فضلهم بما خصهم به من الآيات الباهرة التي لم تحصل لغيرهم وإن كان غيرهم أفضل منهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>