للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٤١ الى ١٤٣]

وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)

قوله عز وجل: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ هذه الآية تقدم تفسيرها في سورة البقرة، والفائدة في ذكرها في هذا الموضع أنه تعالى هو الذي أنعم عليكم بهذه النعمة العظيمة فكيف يليق بكم الاشتغال بعبادة غيره حتى تقولوا اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

قوله عز وجل: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً يعني وواعدنا موسى عليه الصلاة والسلام لمناجاتنا ثلاثين ليلة وهي ذو القعدة وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ يعني عشر ذي الحجة وهذا قول ابن عباس ومجاهد. قال المفسرون إن موسى عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل إذا أهلك الله تعالى عدوهم فرعون أن يأتيهم بكتاب من عند الله عز وجل فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما أهلك الله تعالى فرعون سأل موسى ربه عز وجل أن ينزل عليه الكتاب الذي وعد به بني إسرائيل فأمره أن يصوم ثلاثين يوما فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فتسوك بعود خرنوب وقيل بل أكل من ورق الشجر فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله أن يصوم عشر ذي الحجة وقال له أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فكانت فتنة بني إسرائيل في تلك العشر التي زادها الله عز وجل لموسى عليه الصلاة والسلام وقيل إن الله تعالى أمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يصوم ثلاثين يوما ويعمل فيها ما يتقرب به إلى الله ثم كلمه وأعطاه الألواح في العشر التي زادها فلهذا قال: وتممناها بعشر وهذا التفصيل الذي ذكره هنا هو تفصيل ما أجمله في سورة البقرة وهو قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فذكره هناك على الإجمال وذكره هنا على التفصيل.

وقوله تعالى: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يعني فتم الوقت الذي قدره الله لصوم موسى عليه الصلاة والسلام وعبادته أربعين ليلة لأن الميقات هو الوقت الذي قدر أن يعمل فيه عمل من الأعمال ولهذا قيل مواقيت الحج وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي يعني كن أنت خليفتي فيهم من بعدي حتى أرجع إليك وَأَصْلِحْ يعني وأصلح أمور بني إسرائيل واحملهم على عبادة الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما:

يريد الرفق بهم والإحسان إليهم وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ يعني ولا تسلك طريق المفسدين في الأرض ولا تطعهم والمقصود من هذا الأمر التأكيد لأن هارون عليه الصلاة والسلام لم يكن ممن يتبع سبيل المفسدين فهو كقوله ولكن ليطمئن قلبي وكقولك للقاعد اقعد بمعنى دم على ما أنت عليه من القعود.

قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا يعني للوقت الذي وقتنا له أن يأتي فيه لمناجاتنا وهو قوله وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ وفي هذه الآية دليل على أن الله عز وجل كلم موسى عليه الصلاة والسلام واختلف الناس في كلام الله تعالى فقال الزمخشري كلمه ربه عز وجل من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطا في الألواح هذا كلامه وهذا مذهب المعتزلة ولا شك في بطلانه وفساده لأن الشجرة أو ذلك الجرم لا يقول «إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري» فثبت بذلك بطلان ما قالوه وذهبت الحنابلة ومن وافقهم إلى أن كلام الله تعالى حروف وأصوات متقطعة وأنه قد تم وذهب جمهور المتكلمين إلى أن كلام الله تعالى صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وتلك الصفة قديمة أزلية والقائلون بهذا القول قالوا إن موسى عليه الصلاة والسلام سمع تلك الصفة الأزلية الحقيقية وقالوا كما أنه لا يبعد رؤية ذاته وليس جسما ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>