للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرقة عملت بالسوء فعلى هذا يكون الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم الفرقة المعتدية وذلك أن الفرقة الناهية قالوا للفرقة المعتدية انتهوا قبل أن ينزل بكم عذاب شديد إن لم تنتهوا عما أنتم فيه فقالت لهم الفرقة المعتدية: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ والمعنى: لم تعظونا وقد علمتم أن الله مهلكنا أو منزل بنا عذابه، والقول الأول أصح لأنهم لو كانوا فرقتين لكان قولهم معذرة إلى ربكم خطابا من الناهية للمعتدية.

[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٦٥ الى ١٦٨]

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)

وقوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أي فلما تركوا ما وعظوا به أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وهم الفرقة الناهية وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني الفرقة المعتدية العاصية بِعَذابٍ بَئِيسٍ أي شديد وجميع من البأس وهو الشدة بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يعني أخذناهم بالعذاب بسبب فسقهم واعتدائهم وخروجهم عن طاعتنا. روى عكرمة عن ابن عباس قال: أسمع الله يقول أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس فلا أدر ما فعلت الفرقة الساكتة وجعل يبكي قال عكرمة: فقلت جعلني الله فداك، ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه، وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم، وإن لم يقل الله أنجيتهم لم يقل أهلكتهم قال فأعجبه قولي ورضي به وأمر لي ببردين فكسانيهما وقال: نجت الساكتة وقال يمان ابن رباب: نجت الطائفتان الذين قالوا لم تعظون والذين قالوا معذرة وأهلك الله الذين أخذوا الحيتان وهذا قول الحسن، وقال ابن زيد: نجت الناهية وهلكت الفرقتان وهذه الآية أشد آية في ترك النهي عن المنكر وقوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قول ابن عباس:

أبوا أن يرجعوا عن المعصية والعتو عبارة عن الإباء والعصيان والمعنى فلما عتوا عما نهوا يعني عن ترك ما نهوا عنه وتمردوا في العصيان من اعتدائهم في السبت واستحلالهم ما حرم الله عليهم من صيد السمك في يوم السبت وأكله قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ يعني صاغرين مبعدين من كل خير.

قال قتادة: لما عتوا عما نهوا عنه مسخهم الله فصيرهم قردة تتعاوى بعد ما كانوا رجالا ونساء. وقال ابن عباس: جعل الله منهم القردة والخنازير فزعم أن شبان القوم صاروا قردة وأن المشيخة صاروا خنازير، قيل إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر الناس إليهم ثم هلكوا جميعا.

قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعنى تأذن أذن والأذان الإعلام يعني أعلم ربك وقيل معناه قال ربك، وقيل: حكم ربك وقيل آلى ربك بمعنى أقسم أجزما ربك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ اللام في قوله ليبعثن جواب القسم لأن قوله وإذ تأذن ربك جار مجرى القسم لكونه وجواب القسم ليبعثن عليهم واختلفوا في الضمير في عليهم إلى من يرجع فقيل يقتضي أن يكون راجعا إلى قوله فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين لكن قد علم أن الذين مسخوا لم يبق منهم أحد فيحتمل أن يكون المراد الذين بقوا منهم فألحق الذل بهم وقيل بأن المراد سائر اليهود من بعدهم لأن الذين بقوا من أهل القرية كانوا صالحين والذي بعثه الله على اليهود هو بختنصر وسخاريب وملوك الروم فساموهم سوء العذاب. وقيل: المراد بقوله ليبعثن عليهم اليهود الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله عليهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته فألزم من لم يسلم منهم الصّغار والذلة والهوان والجزية لازمة لليهود إلى يوم القيامة وأورد على هذا بأن في آخر الزمان يكون لهم عزة وذلك عند خروج

<<  <  ج: ص:  >  >>