للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للربوبية عليهم قالوا بلى يعني قالت الذرية بلى أنت ربنا فهو جواب منهم له وإقرار منهم له بالربوبية واعتراف على أنفسهم بالعبودية شَهِدْنا فيه قولان:

أحدهما: أنهم لما أقروا له بالربوبية قال الله عز وجل للملائكة اشهدوا قالوا شهدنا على إقرارهم فعلى هذا القول يحسن الوقف على قوله سبحانه وتعالى بلى لأن كلام الذرية تم وانقطع وقوله شهدنا كلام مستأنف.

والقول الثاني: إن قوله سبحانه وتعالى شهدنا من كلام الذرية والمعنى شهدنا على أنفسنا بهذا الإقرار وعلى هذا لا يحسن الوقف على بلى لتعلقه بما بعده.

وقوله سبحانه وتعالى: أَنْ تَقُولُوا وقرئ بالتاء على خطاب الذرية ومعناه لئلا تقولوا أيها الذرية يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا يعني الميثاق غافِلِينَ وقرئ أن يقولوا بالياء على الغيبة ومعناه لئلا يقولوا أي الذرية إنا كنا عن هذا غافلين، والمذهب الثاني في معنى هذه الآية وهو مذهب أهل الكلام والنظر أنه سبحانه وتعالى أخرج الذرية وأنشأهم بعد أن كانوا نطفا في أصلاب الآباء وهم أولاد بني آدم فأخرج الذرية إلى الدنيا على ترتيبهم في الوجود وأشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من العقول وأراهم عجائب خلقه وغرائب صنعه ودلائل وحدانيته فبهذا الإشهاد صاروا كأنهم قالوا: بلى وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم وذلك بما أظهر لهم من دلائل آياته وبراهينه التي تضطرهم إلى أن يعلموا أنه خالقهم وبارئهم وربهم ونافذ الحكم فيهم فلما عرفوا ذلك دعاهم ذلك إلى التصديق بوحدانيته وربوبيته فقالوا بلى شهدنا على أنفسنا أنك أنت ربنا وخالقنا فعلى هذا القول يكون قولهم بلى شهدنا على أنفسنا على المجاز لا على الحقيقة وهذا النوع من المجاز والاستعارة مشهور في كلام العرب فكل من بلغ وعقل فقد أخذ عليه الميثاق بما جعل فيه من السبب الذي يؤخذ به الميثاق وهو العقل والتكليف فيكون معنى الآية وإذ يأخذ ربك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من العقل الذي يكون به الفهم والتكليف الذي به يترتب على صاحبه الثواب والعقاب يوم القيامة.

فإن قلت: فما المختار من هذين المذهبين في تفسير هذه الآية؟

قلت: المذهب الأول هو المختار لأنه مذهب جمهور المفسرين من السلف وورد الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت إذا كانت المختار في تفسير هذه الآية هو مذهب السلف في ذلك وأن الله تعالى أخرج الذرية من ظهر آدم لأخذ الميثاق عليهم كما ورد في الحديث أيضا فكيف يحمل تفسير ألفاظ هذه الآية على هذا القول؟

قلت: قد صحّ الحديث بأن الله مسح ظهر آدم فأخرج ذريته وأخذ عليهم الميثاق ولا منافاة بين الآية والحديث كما تقدم في تفسير ألفاظ الآية من أن الله أخرج ذرية آدم من ظهره على سبيل التوالد بعضهم من بعض كما في الخارج وكلهم بأجمعهم من ظهر آدم الذي هو أصلهم فبهذا الطريق أمكن الجمع بين الآية والحديث، إذ ليس في معنى ألفاظ الآية ما يدل على بطلان ذلك ونفيه وقد ورد الحديث بثبوت ذلك وصحته فوجب المصير إليه والأخذ به جمعا بين الآية والحديث وحكى الواحدي عن صاحب النظم أنه قال: ليس بين قوله إن الله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته وبين الآية اختلاف بحمد الله لأنه تعالى إذ أخرجهم من ظهر آدم فقد أخرجهم من ظهور ذريته لأن ذرية آدم ذرية كذرية بعضهم من بعض قال وتحصل الفائدة بهذا الفصل بأنه تعالى أثبت الحجة على كل منفوس ممن بلغ ومن لم يبلغ بالميثاق الذي أخذه عليهم وزاد على من بلغ منهم بالحجة بالآيات والدلائل التي نصبها بالرسل المنفذة إليهم مبشرين ومنذرين وبالمواعظ وقال غيره: فائدة أخذ الميثاق عليها في القدم أن من مات منهم صغيرا أدخل الجنة بإقراره بالميثاق الأول وهذا على قول من يقول إن أطفال المشركين يدخلون الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>