للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعا والقولان الأولان أشهر. وقال الحسن وابن كيسان: نزلت في منافقي أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم ثم أنكروه، وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فلم يقبله وقوله تعالى آتَيْناهُ آياتِنا قال ابن عباس: كان يعلم اسم الله الأكبر وقال ابن زيد كان لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه، وقال السدي: كان يعلم اسم الله الأعظم. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: أنه أوتي كتابا وقيل آتاه الله حجة وأدلة وهي الآيات التي أوتيها فَانْسَلَخَ مِنْها يعني فخرج من الآيات التي كان الله آتاه إياها كما تنسلخ الحية من جلدها، وقال ابن عباس: نزع منه العلم فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ يعني لحقه وأدركه وصيره الشيطان تابعا لنفسه في معصية الله يخالف أمر ربه ويطيع الشيطان وهواه.

قوله تعالى: فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ يعني من الهالكين الضالين بما خالف ربه وأطاع هواه وشيطانه وقوله تعالى:

[[سورة الأعراف (٧): آية ١٧٦]]

وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)

وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها يعني رفعنا درجته ومنزلته بتلك الآيات التي أوتيها. وقال ابن عباس: لرفعناه، وقال ابن عباس: لرفعناه بعمله بها، وقال مجاهد وعطاء: معناه لو شئنا لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ يعني: ولكنه سكن إلى الدنيا ومال إليها ورضي بها وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام والأرض هنا عبارة عن الدنيا لأن الأرض عبارة عن المفاوز والقفار وفيها المدن والضياع والمعادن والنبات ومنها يستخرج ما يعاش به في الدنيا فالدنيا كلها هي الأرض وَاتَّبَعَ هَواهُ يعني أنه أعرض عن التمسك بما أتاه الله من الآيات واتبع الهوى فخسر دنياه وأخرته ووقع في هاوية الردى والهلاك وهذه الآية من أشد الآيات على العلماء الذين يريدون بعلمهم الدنيا وشهوات النفس ويتبعون الهوى وذلك لأن الله عز وجل خص هذا الرجل بآياته وحكمته وعلمه اسمه الأعظم وجعل دعاءه مستجابا ثم إنه اتبع هواه وركن إلى الدنيا ورضي بها عوضا عن الآخرة نزع منه ما كان أعطيه وانسلخ من الدين فخسر الدنيا والآخرة ومن الذي يسلم من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى إلا من عصمه الله بالورع وثبته بالعلم وبصّره بعيوب نفسه. عن كعب بن مالك الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والسرف لدينه» أخرجه الترمذي ثم ضرب الله عز وجل مثلا لهذا الرجل الذي أتاه آياته فانسلخ منها واتبع هواه فقال تعالى فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ يقال لهث الكلب يلهث إذا أدلع لسانه من العطش وشدة الحر وعند الإعياء والتعب وهذا مثل ضربه الله عز وجل لمن أتاه آياته وحكمته فتركها وعدل عنها واتبع هواه وترك آخرته وآثر دنياه بأخس الحيوانات وهو الكلب في أخس أحواله وهو اللهث لأن الكلب في حال لهثه لا يقدر على نفع نفسه ولا ضرها كذلك العالم الذي يتبع هواه لا يقدر على نفع نفسه ولا ضرها في الآخرة لأن التمثيل به على أن يلهث على كل حال إن حملته عليه أو تركته كان لاهثا وذلك عادة منه وطبيعة وهي مواظبته على اللهث دائما فكذلك من أتاه الله العلم والدين وأغناه عن التعرض لحطام الدنيا الخسيسة، ثم إنه مال إليها وطلبها كانت حالته كحالة الكلب اللاهث وقيل: إن العالم إذا توصل بعلمه إلى طلب الدنيا فإنه يظهر علومه عند أهلها ويدلع لسانه في تقرير تلك العلوم وبيانها وذلك لأجل ما يحصل عنده من حرارة الحرص الشديد وشدة العطش إلى الفوز بمطلوبه من الدنيا فكانت حالته شبيهة بحالة الكلب الذي أدلع لسانه من اللهث في غير حاجة ولا ضرورة. ومعنى أن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث أي إن شددت عليه وأهجته لهث وإن تركته على حاله لهث لأن اللهث طبيعة أصلية فيه فكذلك حال الحريص على الدنيا إن وعظته فهو حريص لا يقبل الوعظ ولا ينجع فيه وإن تركته ولم تعظه فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>