للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه وتعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ يعني أي شيء يمنعهم من أن يعذبهم يعني بعد خروجك من بين أظهرهم، لأنه سبحانه وتعالى بيّن في الآية الأولى أنه لا يعذبهم وهو مقيم فيهم بين أظهرهم وبيّن في هذه الآية أنه معذبهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقيل: هو القتل والأسر يوم بدر. وقيل: أراد به عذاب الآخرة.

وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال وأراد بالعذاب الثاني: العذاب بالسيف. وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا وبهذا العذاب عذاب الآخرة.

وقال الحسن: الآية الأولى وهو قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم منسوخة بقوله وما لهم ألا يعذبهم الله وفيه بعد لأن الأخبار لا يدخلها النسخ ثم بين ما لأجله يعذبهم فقال تعالى: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالبيت وذلك حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت الحرام عام الحديبية وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ قال الحسن: كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام فرد الله عليهم بقوله وما كانوا أولياءه يعني ليسوا أولياء المسجد الحرام إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ يعني المؤمنين الذين يتقون الشرك وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني المشركين لا يَعْلَمُونَ ذلك قوله عز وجل:

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣٥ الى ٣٦]

وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)

وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً لما ذكر الله عز وجل أن الكفار ليسوا بأولياء البيت الحرام ذكر عقبة السبب في ذلك وهو أن صلاتهم عنده كانت مكاء وتصدية. والمكاء في اللغة: الصفير. يقال: مكا الطير يمكو إذا صفر والمكاء: اسم طير أبيض يكون بالحجاز له صفير. وقيل: هو طائر يألف الريف سمي بذلك لكثرة مكائه يعني صفيره.

والتصدية: التصفيق وفي أصله واشتقاقه قولان أحدهما: أنه من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من الجبل كالمجيب للمتكلم ولا يرجع إلى شيء. الثاني: قال أبو عبيدة أصله تصددة فأبدلت الياء من الدال. قال الأزهري: والمكاء والتصدية، ليسا بصلاة، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية قال حسان بن ثابت:

صلاتهم التصدي والمكاء.

قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون. وقال مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ويستهزءون به ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون. فالمكاء:

جعل الأصابع في الشدق، والتصدية: الصفير. وقال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله:

إلا مكاء وتصدية، فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا. وقال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قام رجلان عن يمينه يصفران ورجلان عن يساره يصفقان ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وهم من بني عبد الدار. فعلى قول ابن عباس كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول غيره كان نوع أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول ابن عباس أصح، لأن الله سبحانه وتعالى سمى ذلك صلاة.

فإن قلت كيف سماها صلاة وليس ذلك من جنس الصلاة؟

قلت: إنهم كانوا يعتقدون ذلك المكاء والتصدية صلاة فخرج ذلك على حسب معتقدهم وفيه وجه آخر

<<  <  ج: ص:  >  >>