للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين» وفي رواية «من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وقال الكلبي: قال رجل من المنافقين، يقال له أبو الجواظ لم تقسم بالسوية فنزلت هذه الآية، وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديث عهد بأعرابية أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة فقال: يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل فما عدلت فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم ويلك فمن ذا يعدل بعدي وقال ابن زيد قال المنافقون والله ما يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثرها إلا من يهواه فأنزل الله سبحانه وتعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات يعني ومن المنافقين من يعيبك في قسم الصدقات وفي تفريقها ويطعن عليك في أمرها يقال همزه ولمزه بمعنى واحد أي عابه فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها يعني من الصدقات رَضُوا يعني رضوا عنك في قسمتها وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ يعني وإن لم تعطهم منها عابوا عليك وسخطوا.

[سورة التوبة (٩): الآيات ٥٩ الى ٦٠]

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا يعني ولو أن المنافقين الذين عابوا عليك رضوا بما قسم الله لهم وقنعوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أي كافينا الله سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ يعني إليه إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ يعني في أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن الصدقة وعن غيرها من أموال الناس وجواب لو محذوف تقديره لكان خيرا لهم وأعود عليهم.

قوله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية اعلم أن المنافقين لما لمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعابوه في قسم الصدقات بيّن الله عز وجل في هذه الآية إن المستحقين للصدقات هؤلاء الأصناف الثمانية ومصرفها إليهم ولا تعلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها بشيء ولم يأخذ لنفسه منها شيئا فلم يلمزونه ويعيبون عليه فلا مطعن لهم فيه بسبب قسم الصدقات. عن زياد بن الحرث الصدائي قال «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتاه رجل فقال أعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» أخرجه أبو داود.

[(فصل في بيان حكم هذه الآية وفيه مسائل)]

المسألة الأولى: في بيان وجه الحكمة في إيجاب الزكاة على الأغنياء وصرفها إلى المحتاجين من الناس وذلك من وجوه، الوجه الأول أن المال محبوب بالطبع وسببه أن القدرة صفة من صفات الكمال محبوبة لذاتها والمال سبب لتحصيل تلك القدرة فكان المال محبوبا بالطبع فإذا استغرق القلب في حب المال اشتغل به عن حب الله عز وجل وعن الاشتغال بالطاعات المقربة إلى الله عز وجل فاقتضت الحكمة الإلهية إيجاب الزكاة في ذلك المال الذي هو سبب البعد عن الله فيصير سببا للقرب من الله عز وجل بإخراج الزكاة منه. الوجه الثاني: إن كثرة المال توجب قسوة القلب وحب الدنيا والميل إلى شهواتها ولذاتها فأوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة ليقل ذلك المال الذي هو سبب لقساوة القلب. والوجه الثالث سبب وجوب الزكاة امتحان العبد المؤمن لأن التكاليف البدنية غير شاقة على العبد وإخراج المال مشق على النفس فأوجب الله عز وجل الزكاة على العباد ليمتحن بإخراج الزكاة أصحاب الأموال لتميز بذلك المطيع المخرج لها طيبة بها نفسه من العاصي المانع لها. الوجه الرابع أن المال مال الله والأغنياء خزان الله والفقراء عيال الله فأمر الله سبحانه وتعالى خزانه الذين هم أغنياء بدفع طائفة من ماله إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>