للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة وأول ما نسخ من أحكام الشرع أمر القبلة فَلَنُوَلِّيَنَّكَ أي فلنحولنك ولنصرفنك قِبْلَةً أي ولنصرفنك عن بيت المقدس إلى قبلة تَرْضاها أي تحبها وتميل إليها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي نحوه وتلقاءه وأراد به الكعبة (ق) عن ابن عباس قال: لما دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ولما خرج ركع ركعتين قبل الكعبة وقال هذه القبلة يعني أن أمر القبلة قد استقر على هذا البيت فلا ينسخ بعد اليوم فصلوا إلى الكعبة أبدا فهي قبلتكم (ق) عن البراء بن عازب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلّى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم فخرج رجل ممن صلّى معه، فمر على أهل مسجد قباء وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ ذاك أنه يصلّي قبل بيت المقدس، وهي قبلة أهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. قال البراء في حديثه هذا: وأنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ واختلفت العلماء في وقت تحويل القبلة فقال الأكثرون: كان في يوم الاثنين بعد الزوال للنصف من رجب، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وقيل: كان يوم الثلاثاء لثمانية عشر شهرا وقيل: كان لستة عشر شهرا وقيل: لثلاثة عشر شهرا وقيل: نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجد بني سلمة وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين، ووصل الخبر إلى أهل قباء في صلاة الصبح (ق) عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وقوله تعالى: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ أي من بر أو بحر مشرق أو مغرب فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي نحو البيت وتلقاءه، عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، قيل: أراد بالمشرق مشرق الشتاء في أقصر يوم من السنة وبالمغرب مغرب الصيف في أطول يوم من السنة فمن جعل مغرب الصيف في هذا الوقت عن يمينه ومشرق الشتاء عن يساره كان مستقبلا للقبلة، وهذا في حق أهل المشرق لأن المشرق الشتوي جنوبي متباعد عن خط الاستواء بمقدار الميل، والمغرب الصيفي شمالي متباعد عن خط الاستواء والذي بينهما فقوسها مكة. والفرض لمن بمكة في القبلة إصابة عين الكعبة، ولمن بعد من مكة إصابة الجهة، ويعرف ذلك بدلائل القبلة وليس هذا موضع ذكرها، ولما تحولت القبلة إلى الكعبة قالت اليهود: يا محمد ما هو إلّا شيء ابتدعته من تلقاء نفسك فتارة تصلّي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره فأنزل الله تعالى وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني أمر القبلة وتحويلها إلى الكعبة ثم هددهم فقال تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ يعني وما أنا بساه عما

يفعل هؤلاء اليهود، فأنا أجازيهم عليه في الدنيا والآخرة وقرئ تعملون بالتاء. قال ابن عباس: يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم فأنا أثيبكم على طاعتكم أفضل الثواب، وأجزيكم أحسن الجزاء.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢): آية ١٤٥]]

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى بِكُلِّ آيَةٍ أي بكل معجزة وقيل: بكل حجة

<<  <  ج: ص:  >  >>