للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مغلوب اجعل لي فرجا مما أنا فيه فما بات فيه واختلفوا في قدر عمر يوسف يوم ألقي في الجب فقال الضحاك ست سنين وقال الحسن: اثنتا عشرة سنة، وقال ابن السائب: سبع عشرة سنة، وقيل: ثمان عشرة سنة، وقيل:

مكث في الجب ثلاثة أيام وكان إخوته يرعون حوله وكان يهوذا يأتيه بالطعام فذلك قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا يعني لتخبرن إخوتك قال أكثر المفسرين: إن الله أوحى إليه وحيا حقيقة فبعث إليه جبريل يؤنسه ويبشره بالخروج ويخبره أنه سينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه هذا قول طائفة عظيمة من المحققين ثم القائلون بهذا القول اختلفوا هل كان بالغا في ذلك الوقت أو كان صبيا صغيرا فقال بعضهم إنه كان بالغا وكان عمره خمس عشرة سن وقال آخرون بل كان صغيرا إلا أن الله عز وجل أكمل عقله ورشده وجعله صالحا لقبول الوحي والنبوة كما قال في حق عيسى عليه الصلاة والسلام.

فإن قلت كيف جعله نبيا في ذلك الوقت ولم يكن أحد يبلغه رسالة ربه لأن فائدة النبوة والرسالة تبليغها إلى من أرسل إليه.

قلت: لا يمتنع أن الله يشرفه بالوحي ويكرمه بالنبوة والرسالة في ذلك الوقت، وفائدة ذلك تطييب قلبه وإزالة الهمّ والغمّ والوحشة عنه ثم بعد ذلك يأمره بتبليغ الرسالة في وقتها وقيل إن المراد من قوله وأوحينا إليه وحي إلهام كما في قوله تعالى وأوحى ربك إلى النحل وأوحينا إلى أم موسى والقول الأول أولى وقوله تعالى:

وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يعني بإيحائنا إليك وأنت في البئر بأنك ستخبرهم بصنيعهم هذا، والفائدة في إخفاء ذلك الوحي أنهم إذا عرفوه فربما ازداد حسدهم له. وقيل: إن الله تعالى أوحى إلى يوسف لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا بعد هذا اليوم وهم لا يشعرون بأنك أنت يوسف والمقصود من ذلك تقوية قلب يوسف عليه الصلاة السلام وأنه سيخلص مما هو فيه من المحنة ويصير مستوليا عليهم ويصيرون تحت أمره وقهره قوله تعالى:

[سورة يوسف (١٢): الآيات ١٦ الى ١٨]

وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)

وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قال المفسرون: لما طرحوا يوسف في الجب رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليكونوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب فلما قربوا من منزل يعقوب جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وخرج إليهم فلما رآهم قال بالله سألتكم يا بني هل أصابكم شيء في غنمكم قالوا لا قال فما أصابكم وأين يوسف قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ قال ابن عباس: يعني ننتضل، وقال الزجاج: يسابق بعضنا بعضا في الرمي الأصل في السبق الرمي بالسهم وهو التناضل أيضا وسمي المتراميان بذلك يقال تسابقا واستبقا إذا فعلا ذلك ليتبين أيهما أبعد سهما. وقال السدي: يعني نشتد ونعدو والمعنى نستبق على الأقدام ليتبين أينا أسرع عدوا وأخف حركة، وقال مقاتل: نتصيد والمعنى نستبق إلى الصيد وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا يعني عند ثيابنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا يعني وما أنت بمصدق لنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولا لشدة محبتك ليوسف فإنك تتهمنا في قولنا هذا وقيل معناه إنا وإن كنا صادقين فإنك لا تصدقنا لأنه لم تظهر عندك أمارة تدل على صدقنا وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ يعني قميص يوسف بِدَمٍ كَذِبٍ أي مكذوب فيه قال ابن عباس: إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف ثم جاءوا أباهم وفي القصة أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه، فقال يعقوب لهم: كيف أكله الذئب ولم يشقّ قميصه فاتهمهم بذلك، وقيل إنهم أتوه بذئب وقالوا هذا أكله فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>