للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يصعد به النخل وسمي كل ما يتوصل به إلى شيء من ذريعة أو قرابة أو مودة سببا تشبيها بالحبل الذي يصعد به وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا يعني الأتباع لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً أي رجعة إلى الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ أي من المتبوعين كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا اليوم كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أي كما أراهم العذاب يريهم الله أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ لأنهم أيقنوا بالهلاك. والحسرة الغم على ما فاته وشدة الندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، والمعنى أن الله تعالى يريهم السيئات التي عملوها، وارتكبوها في الدنيا فيتحسرون لم عملوها؟. وقيل: يريهم ما تركوا من الحسنات فيندمون على تضييعها. وقيل: يرفع لهم منازلهم في الجنة فيقال لهم تلك مساكنكم لو أطعتم الله ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يتحسرون ويندمون على ما فاتهم ولا ينفعهم الندم وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٦٨ الى ١٧٠]

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠)

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة وبني مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. والحلال المباح الذي أحله الشرع وانحلت عقدة الحظر عنه، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد. والطيب ما يستلذ، والمسلم لا يستطيب إلّا الحلال ويعاف الحرام. وقيل: الطيب هو الطاهر لأن النجس تكرهه النفس وتعافه وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي لا تسلكوا سبيله. وقيل معناه لا تأثموا به ولا تتبعوا آثاره وزلاته، والمعنى احذروا أن تتعدوا ما أحل الله لكم إلى ما يدعوكم إليه الشيطان. قيل: هي النذور في المعاصي. وقيل: هي المحقرات من الذنوب ثم بين علة هذا التحذير، بقوله تعالى: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي ظاهر العداوة وقد أظهر الله تعالى عداوته بآية السجود لآدم ثم بين عداوته ما هي فقال تعالى: إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ يعني بالإثم. والسوء ما يسوء صاحبه ويخزيه وَالْفَحْشاءِ يعني بها المعاصي وما قبح من قول أو فعل. قال ابن عباس: السوء ما لا حد فيه، والفحشاء ما يجب فيه الحد. وقيل الفحشاء الزنا. وقيل هو البخل وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يعني من تحريم الحرث والأنعام ويتناول ذلك جميع المذاهب الفاسدة التي لم يأذن فيها الله ولم ترد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

واعلم أن أمر الشيطان ووسوسته عبارة عن هذه الخواطر التي يجدها الإنسان في قلبه، وماهية هذه الخواطر حروف وأصوات منتظمة خفية تشبه الكلام في الخارج، ثم إن فاعل هذه الخواطر هو الله تعالى وهو المحدث لها في باطن الإنسان، وإنما الشيطان كالعرض، والله هو المقدر له على ذلك وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» وإنما أقدر على ذلك لإيصال هذه الخواطر إلى باطن الإنسان. قوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ هذه قصة مستأنفة والضمير في «لهم» يعود إلى غير مذكور. قال ابن عباس: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليهود إلى الإسلام. فقال رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منا وأعلم منا فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إن الآية متصلة بما قبلها والضمير في «لهم» يعود إلى قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً وهم مشركو العرب. قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا يعني من عبادة الأصنام. وقيل: بل الضمير في «لهم» يعود على قوله: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ والمعنى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله يعني في تحليل ما حرموا على أنفسهم قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا يعني وجدنا عَلَيْهِ آباءَنا من التحريم والتحليل، قال الله تعالى: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ يعني الذين يتبعونهم

<<  <  ج: ص:  >  >>