للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يوسف (١٢): الآيات ٧٠ الى ٧٤]

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤)

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ وهي المشربة التي كان الملك يشرب فيها، قال ابن عباس: كانت من زبرجد، وقال ابن إسحاق كانت من فضة وقيل من ذهب، وقال عكرمة: كانت مشربة من فضة مرصعة بالجواهر جعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيرها وكان يشرب فيها والسقاية والصواع اسم لإناء واحد وجعلت في وعاء طعام أخيه بنيامين ثم ارتحلوا راجعين إلى بلادهم فأمهلهم يوسف حتى انطلقوا وذهبوا منزلا وقيل حتى خرجوا من العمارة ثم أرسل خلفهم من استوقفهم وحبسهم ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ يعني نادى مناد وأعلم معلم.

والأذان في اللغة الإعلام أَيَّتُهَا الْعِيرُ وهي القافلة التي في الأحمال، وقال مجاهد: العير الحمير والبغال، وقال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عير وقول من قال إنها الإبل خاصة باطل وقيل العير الإبل التي تحمل عليها الأحمال سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء وقيل هي قافلة الحمير ثم كثر ذلك في الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عير وقوله أيتها العير أراد أصحاب العير إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فقفوا والسرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء.

فإن قلت هل كان هذا النداء بأمر يوسف أم لا فإن كان بأمره فكيف يليق بيوسف مع علو منصبه وشريف رتبته من النبوة والرسالة أن يتهم أقواما وينسبهم إلى السرقة كذبا مع علمه ببراءتهم من ذلك وإن كان ذلك النداء بغير أمره فهلا أظهر براءتهم عن تلك التهمة التي نسبوا إليها.

قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة:

أحدها: أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال لست أفارقك قال لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما يليق قال رضيت بذلك فعلى هذا التقدير لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام بل قد رضي به فلا يكون ذنبا.

الثاني: أن يكون المعنى إنكم لسارقون ليوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.

الثالث: يحتمل أن يكون المنادي ربما قال ذلك النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا التقدير لا يكون كذبا.

الرابع: ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف وهو الأقرب إلى ظاهر الحال لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ قال أصحاب الأخبار لما وصل الرسل إلى إخوة يوسف قالوا لهم ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم ونوف إليكم الكيل ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم قالوا بلى وما ذاك قالوا فقدنا سقاية الملك ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى قالوا وأقبلوا عليهم أي عطفوا على المؤذن وأصحابه ماذا أي ما الذي تفقدون والفقدان ضد الوجود قالُوا يعني المؤذن وأصحابه نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ الصاع الإناء الذي يكال به وجمعه أصوع والصواع لغة فيه وجمعه صيعان وَلِمَنْ جاءَ بِهِ يعني بالصواع حِمْلُ بَعِيرٍ يعني من الطعام وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي كفيل قال الكلبي الزعيم هو الكفيل بلسان أهل اليمن وهذه الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في قوله «الحميل غارم» والحميل الكفيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>