للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقول: "فقعد على المنبر .. إلخ"، إذن الخطبة قبل الصلاة، "فكبر وحمد الله"، يعني: قال: الله أكبر، "وحمد الله"، يعني: قال أحمد الله، أو الحمد لله، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم"، وتأمل أول الحديث تقول: "إنهم شكوا قحوط المطر"، وهنا قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "إنكم شكوتم جدب دياركم"؛ لأن العبرة بجدب الديار لا بالمطر، فالمطر قد ينزل وتجدب الديار، وجدبها بمعنى: المحل وعدم خروج النبات؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: "ليس السنة ألا تمطروا إنما السنة أن تمطروا فلا تنبت الأرض شيئا". ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الذي هو المقصود وهو جدب الديار.

قوله: "وقد أمركم الله أن تدعوه"؛ لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: ٦٠]. وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعواه الداع ... } الآية [البقرة: ١٨٦]. وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: ٥٥]. والآيات كثيرة، وقوله: "أمركم الله أن تدعوه"، "ووعدكم أن يستجيب لكم" أين الوعد؟ {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب}، فالأولى أمر والثانية خبر، وكلاهما لا يتخلف ما دام الله قد وعد به؛ لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد لتمام علمه وقدرته.

وقوله: "ووعدكم أن يستجيب لكم" هل هذا على إطلاقه؟ الجواب: نعم على إطلاقه، لكن لا بد له من شروط، ثم الاستجابة لا يلزم أن تكون عين المدعو به، فقد يستجيب الله له بأشياء أخرى فمثلًا قد يستجيب ما طلب وقد يرفع عنه من السوء مثله أو أعظم، وقد يدخر ذلك له إلى يوم القيامة حسب ما تقتضيه حكمته- سبحانه وتعالى- إنما الأصل أنه يستجيب ما دعا به الإنسان، ثم قال النبي- عليه الصلاة والسلام- بعد أن هيأ النفوس للدعاء، وهنا هيأها من وجهين:

الوجه الأول: من ذكر حالهم، وأن بلادهم قد أجدبت، وهذا يقتضي حرص الإنسان على الدعاء؛ لأنه يكون دعاء المضطر.

والوجه الثاني: من ذكر أن الله تعالى أمر بالدعاء والاستجابة، لما تهيأت النفوس شرع النبي- عليه الصلاة والسلام- في الدعاء، ثم قال: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" بدأ بهذه الآيات الثلاث؛ لأنها أبلغ ما يثني به الإنسان على ربه، "الحمد لله" يعني: الوصف بصفات الكمال على وجه الاستغراق والشمول والاستحقاق والاختصاص ثابت لله، و"رب العالمين" يعني: خالقهم ومالكهم ومدبرهم، و"العالمون" كل من سوى الله، وهنا ذكر الربوبية بعد الألوهية لتلازمهما؛ لأن كل من أقر بالربوبية لزمه أن يقر بالألوهية، ثم قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>