للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "قصيفًا" معناها: شديد الرعد، قالوا: لأن شدة الرعد تدل على كثرة الماء، هكذا قالوا، والرعد غير الصواعق؛ لأن السحاب أحيانًا يكون ثقيلًا جدًا في الرعد، لكن ليس فيه صواعق: شرارات تنفصل من الرعد تسقط على الأرض.

أيضًا يقول: "دلوقًا" الدلوق: العجل السريع، وهذا الدلوق الغالب أنه إذا كان ثقيلًا وقريبًا من الأرض تتبين سرعته، أما البعيد فلا تتبين سرعته وكذلك يمكن أن يقول: دلوقا: أي سريع الإمطار بحيث يكون المطر شديدًا.

أيضًا يقول: "ضحكونا"، و"الضحوك" قال العلماء: معناه كثير البرق، لأن البرق والرعد غالبًا يكون كثير الماء.

"تمطرنا منه رذاذًا قطقطًا سجلًا". الرذاذ والقطقط هذا مطر يكون خفيفًا من حيث الحجم ولا يكون كبير النقط؛ لأن كبير النقط ربما يحصل فيه ضرر، ولكن إذ كان كثيرًا مع صغر النقط صار هذا أفيد وأقل ضررًا، وقوله: "سجلًا" معناها: الكثير الواسع.

ثم قال: "يا ذا الجلال والإكرام" "ذا" منادى منصوب على النداء والجلال بمعنى: العظمة والإكرام- من التكريم- مصدر أكرم يكرم، فهو المعنى: أنه يكرم، أو أنه يكرم، أو المعنيان؟ المعنيان، فهو- سبحانه وتعالى- يكرم بمعنى: يعظم بالطاعة، ويكرم أي: يكرم أولياء بالثواب، وأما الجلال فإنه من صفاته الذاتية اللازمة غير المتعدية.

إن قال قائل: هذا الحديث لماذا كرر الرسول- عليه الصلاة والسلام- فيه هذه الكلمات؟

فالجواب أن يقال: إذا صح الحديث فإنه قد سبق لنا أن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتفصيل، وذكرنا أن لهذا شواهد منها: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، سره وعلانيته، وأوله وآخره، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت"، وما أشبه ذلك؛ لأن مقام الدعاء ينبغي فيه التفصيل من أجل أن يستحضر الإنسان كل مطلوبه إن كان طلبًا، وكل مرهوبة إن كان هربًا، ولأن مقام الدعاء مناجاة لله عز وجل وكلما طالت المناجاة مع الحبيب صار ذلك أدل على المحبة. ثالثًا: ولأن الدعاء مقام ذل وافتقار إلى الله عز وجل وكلما كررت الذل والافتقار لله صار ذلك أبلغ في العبادة. فهذه وجوه ثلاثة كلها في بيان الحكمة من تكرار الدعاء وتفصيله، وقوله: "يا ذا الجلال والإكرام" هذا من باب التوسل بأسماء الله وصفاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>