للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك بهذا الحسب؛ لا تجلس مجلس ذوي الدناءة والسفول والانحطاط، فإن لكل مقام مقالًا؛ ولهذا يعتب الناس على الرجل ذي الحسب أن يجلس في مجالس القوم الرديئة، كذلك إذا كنت ذا جاه فأر الله تعالى نعمته عليك بهذا الجاه، انفع الناس به ما استطعت، وهكذا كل نعمة من الله على عبده فإن الله تعالى يحب أن يرى أثر هذه النعمة على العبد.

ساق المؤلف هذا الحديث في باب اللباس، والمناسبة فيه ظاهرة: وهي أن نعمة الله على عبده بالمال أن يظهر أثر هذا المال في ملبسه، لا يلبس لباسًا دنيئًا لباس الفقراء وقد أغناه الله؛ لأن هذا لم يظهر نعمة الله عليه بالمال.

فإن قلت: إن بعض العلماء ندوب أن يلبس الإنسان الثياب الدون تواضعنا لله عز وجل كما قال ابن عبد القوي في منظومته:

ومن يرتضي دون اللِّباس تواضعًا ... سيكسي اللِّباس العبقريات في غدٍ

فالجواب على ذلك: أنه إذا كان من باب التواضع بحيث لا يكون حولك إلا أناس فقراء لو لبست ثيابًا رفيعة وهم عليهم ثياب دون، صار في ذلك نوع من الترفع وانكسار القلب، ففي هذه الحال إذا تركته من باب التواضع يكون هذا أمرًا عارضًا اقتضت المصلحة أن تتصف به، فلكل مقام مقال. فعلى كل حال يعود هذا للمصلحة.

فائدة: إثبات صفة المحبة لله عز وجل:

وفي الحديث: إثبات أن الله عز وجل يتصف بالمحبة لقوله: ((إن الله يحب)) ونصوص إثبات المحبة لله عز وجل في القرآن والسنة كثيرو، وقد أجمع السلف وأئمة الخلف ومن سلك سبيلهم على أن الله تعالى موصوف بالمحبة على الوجه اللائق به، وأنه يُحِب ويُحَب، وهذا ظاهر في القرآن والسنة قال الله تعالى: {يأيُّها الَّذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبُّهم ويحبُّونه} [المائدة: ٥٤]. ففيه إثبات المحبة من الجانبين أن الله يحِب ويحَب- سبحانه وتعالى-، وهي محبة حقيقة كسائر صفاته، ولا يجوز لنا أن نؤولها تأويل تحريف بأن نخرجها عن معناها الذي أراد الله بها فإن هذا من القول على الله بلا علم، ومن الجناية على كلامه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه، وهو من دأب اليهود والنصارى الذين حرفوا كلام الله وأخرجوه عن ظاهره.

وقد ذهب بعض أهل التحريف إلى تحريف المحبة بمعنى: الإثابة، وقالوا: يحبهم يعني: يثيبهم، ومعنى: يحبونه أي: يفعلون ما يقتضي الثواب، فلا يثبتون أن الله يحِب ولا أنه يحَب، وقال بعض أهل التحريف: إن الله يحَب، ولكنه لا يحب؛ لأن المحبة من الإنسان ثابتة، لكن محبة الله للإنسان لا نثبتها، لماذا؟ قالوا: لن المحبة هي ميل ذي المحبة إلى ما فيه منفعة له أو

<<  <  ج: ص:  >  >>