للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ((لا إله إلا الله)) اختلف العلماء لماذا لم يقل: ((لا إله إلا الله محمد رسول الله) فقيل: لأن من أقر بالتوحيد فإنه مقر بالرسالة؛ لأن ألوهية الله عز وجل تقتضي لكمالها أن يكون محمد رسول الله، وقيل: إن المعنى: لقنوهم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحذف الثانية استغناء عنها بالأولى، ولكن ظاهر الحديث أنه لا حذف فيه، وأن من شهد أن لا إله حق إلا الله فإن هذه الشهادة تتضمن الإقرار بأن محمدًا رسول الله، ولهذا في حديث أسامة الذي لحق بالرجل المشرك فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله أسامة رضي الله عنه، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: ((قتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله)) قال: يا رسول الله، إنما قالها تعوذًا- يعني: يستعيذ من القتل- فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يكررها: ((قتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ )) حتى قال أسامة: تمنيت أن لم أكن أسلمت بعد، فهذا يدل على أن ((لا إله إلا الله)) إذا قالها الإنسان فهو مؤمن ثم يطالب بعد ذلك بلوازمها.

وقوله: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) عرفنا معنى التلقين، وهذا الأمر ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب، إذ لم يعلم أن أحدًا من أهل العلم قال بوجوبه، ثم إن قوله: ((موتاكم)) الضمير يعود على المسلمين، فيكون التلقين لمن مات من المسلمين، وأما الكفار فإنهم يؤمرون أمرًا يقال لهم: قولوا لا إله إلا الله، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب وقد حضرته الوفاة: ((يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)).

قال أهل العلم: والفرق بين المؤمن والكافر: أن المؤمن لو أنك أمرته أمرًا فلربما اشمأز ونفر وكره ما قلت، وربما يقول: ما نبغي هذا نسأل الله العافية، أما الكافر فإنك إذا أمرته فإن قال ذلك فقد ربح، وإن لم يقل ذلك فهو خاسر من الأصل على كفره.

وقال بعض أهل العلم: بل يفرق بين الرجل الذي نرى أنه قد رجع وضاق صدره عند نزول الموت به وهو مؤمن، فهذا لا نقول: قل، ولكننا نلقنه لا إله إلا الله، نقول عنده هكذا: لا إله إلا الله، أما إذا كان قد انشرح صدره- لأن الناس يختلفون عند الموت- واطمأن فهذا لا بأس أن نقول له: قل لا إله إلا الله، أو اذكر الله أو ما أشبه ذلك؛ لأنه ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد رجلًا من الأنصار فقال له: ((قل لا إله إلا الله))، فعلى هذا القول يكون الأمر عائدًا إلى حال الميت وإلى اجتهاد الحاضر، فإذا لقنته لا إله إلا الله وقال ذلك فاسكت لا تكلمه بشيء؛ لماذا؟ حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>