للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فدلوه فصلى عليها" وهي في قبرها، وزاد مسلم: "إن هذه القبور" "القبور" هذه بدل من اسم الإشارة، و"مملوءة" خبر، و"ظلمة" تمييز، تميز نوع المملوء مثل: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} [آل عمران: ٩١].

"وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم"، "وينورها" أي: يجعل فيها نورًا، "بصلاتي عليهم" أي: بدعائي لهم، وليست الصلاة عليهم، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إنما صلى على قبر واحد لا على القبور كلها، فتحمل الصلاة هنا على الدعاء كما حملنا الصلاة على الأموات على الدعاء في صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) على شهداء أحد في آخر حياته.

هذا الحديث قصته واضحة وهي أن امرأة كانت - جزاها الله خيرًا- تنظف المسجد وتزيل قماماته، ففقدها النبي (صلى الله عليه وسلم) وسأل عنها، فأخبروه أنها ماتت، فكأنه بين علو شأنها أو وبخهم حين لم يعلموه بموتها، أما هم فلم يؤذنوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأنهم صغروا شأنها وخافوا أيضًا من المشقة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأن الليلة كانت ظلماء، ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر أن يدلوه على قبرها فدلوه، فخرج فصلى عليها - عليه الصلاة والسلام- وأخبر أن دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لأهل هذه القبور سبب بإنارتها لهم.

أما ما يستفاد من الحديث فهو عدة مسائل كثيرة، منها: مشروعية تنظيف المساجد بإزالة القمامة عنها، وجهه: إقرار النبي (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، أو فعل المرأة؟ الأول، وقد سبق لنا أن فعل الإنسان الشيء في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعتبر إقراراً، لكن من الرسول إن علم به ومن الله إن لم يعلم به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقد مر علينا في كتاب المساجد- في حديث عائشة (رضي الله عنها- أن الرسول (صلى الله عليه ولسم) أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب، وعلى هذا فالمشروع تنظيف المساجد من الأذى وتطيبيها، يعني: تحسينها وتزيينها ووضع الطيب فيها؛ لأنها أماكن عبادة.

يتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي أن يجعل في المساجد ما يريح المصلين مثل: التكييف أو المراوح، أو الأنوار إذا كان الناس يحتاجون إليها في الليل وما أشبه ذلك؛ لأن تطييب المسجد مما يريح المصلين فإن طيب الرائحة وإزالة الأذى لا شك أنه سبب لإراحة المصلين.

ومن فوائد الحديث: أن جواز خدمة المرأة للمسجد، يؤخذ من إقرار الرسول (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، ولكن كما نعلم جميعًا أن الأشياء المباحة إذا كان يخشي منها شر صارت محذورة حسب ما يترتب عليها من الشر، فأنت لا تأخذ بالجواز مطلقًا، لو أن امرأة شابه جميلة قالت: إنها تريد أن تقم المسجد وتأتي في الليل وتقمه، نقول: لا، لأن هذه يخشي عليها من الفتنة، لكن الأصل الجواز والإباحة.

ويستفاد من الحديث: تفقد النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه، وذلك من قوله: "فسأل عنها النبي (صلى الله عليه وسلم)،

<<  <  ج: ص:  >  >>