للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشكل على بعض الناس كيف الله يقول: "أعملوا ما شئتم" هل هذا يقتضى أن يباح لهم الكفر؟

الجواب: لا؛ لأن الله (عز وجل) يعلم أنهم لم يكفروا، وهم بأنفسهم لا يمكن أن يقع منهم الكفر، لما ألقى الله تعالى في قلوبهم من الإيمان الراسخ، إذن "ما شئتم" مما دون الكفر، فالكبائر مكفرة لهم مغفورة والصغائر من باب أولى، وإنما غفرت لهم الكبائر لما حصل لهم من هذه الحسنة العظيمة التي لا يعدلها شيء، حتى حاطب بن أبى بلتعة (رضي الله عنه) لما اجتهد وظن أنه على صواب وأرسل رسالة إلى قريش- حين أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يغزوهم- وجاء الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأرسل إلى المرأة من يأخذ الكتاب منها، واستأذن عمر (رضي الله عنه) أن يضرب عنق حاطب، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففعل حاطب إذن وقع تحت هذا العموم "ما شئتم فقد غفرت لكم" إذن على بن أبى طالب (رضي الله عنه) رأي أنه يصلى على أهل بدر يكبر عليهم في الجنائز ستًا.

يستفاد من هذا الحديث: أولاً: جواز الزيادة على أربع في تكبيرات الجنائز، والدليل فعل على (رضي الله عنه).

فإن قال قائل: هل فعل على حجة؟

فالجواب: نعم، لأنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بإتباعهم، وهذا لا يخالف النص؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كبر أربعًا وكبر خمسًا، ولم يقل: لا تزيدوا، صحيح قد يقول قائل: إن عموم قوله (صلى الله عليه وسلم): "صلوا كما رأيتموني أصلى" يدخل فيه هذا وأننا لا نريد على ما ثبتت به السنة، ولكن يقال: لو كان هذا الأمر مقصودًا ما خالفه على (رضي الله عنه)، ثم إن القضية "صلوا كما رأيتموني أصلى" يخاطب مالك بن الحويرث، وقد شهد صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، صلوات ذات الركوع والسجود.

ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي لمن فعل فعلاً يمكن أن يرد عليه سؤال أن يبين وجه فعله؛ لأنه إن كان مشروعًا فقد بين أنه مشروع، وإن كان سائغًا غير محرم فقد دفع عن نفسه الشبهه والتهمة، وأما أن يفعل الشيء الخارج عما يألفه الناس ويسكت فهذا سيكون عرضه لكلام الناس فيه، حتى ربما يقول الصواب ولا يقبلونه، لأن الإنسان إذا وجد عليه خطأ صار كل ما يقوله محل تساؤل: لعله أخطأ كما أخطأ في الأول وما أشبه ذلك! وهذا النبي (صلى الله عليه وسلم) لما حياء وخجلاً أن يريا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع أهله قال- عليه الصلاة والسلام-: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" الله أكبر! بالمؤمنين رءوف رحيم فالصحابيان (رضي الله عنها) قالا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإن خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا"، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>