للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له لا يعرفون مدلول كلامه ولا يفرقون بين النهي والخبر أو بين النهي والأمر، هذا شيء مستحيل، فقرينة الحال تمنع ذلك.

قوله: "أن يجصص القبر" أي: أن يوضع فيه الجص أو عليه، سواء كان فيه أو عليه فلا يجصص اللحد، ولا يوضع الجص أيضًا على ظاهر القبر لما في ذلك من الغلو في المسألة الأولى، ومن ذريعة الشرك والكفر في المسألة الثانية؛ لأنه إذا جصص القبر ظاهرًا تطاول الناس في هذا وتسابقوا أيهم أحسن شكلًا، فهذا يقول: أنا أريد أن يكون قبر أبي أحسن القبور التي حوله، والثاني يقول ذلك، حتى يتباهى الناس في القبور ثم يؤدي ذلك إلى الشرك، والشرك كما قلنا سابقًا؛ لذا وضع النبي صلى الله عليه وسلم كل الحواجز التي تحجز الوصول إليه.

كذلك "نهى أن يقعد عليه يعني: إذا كان فيه ميت، وكلمة "عليه" تدل على العلو، وهذا لا يكون إلا بعد الدفن، فالقعود على القبر يعني: بعد دفنه منهي عنه.

الثالث: "أن يبنى عليه" يعني: أن يوضع عليه بناء سواء أكان هذا البناء شامخًا أم قصيرًا جميلًا أم غير جميل عام- "أن يبنى عليه"-، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي عن الغلو في القبور وعن إهانة القبور، ليكون الإنسان سائرًا نحو هذه القبور بين الغلو والإهانة، يكون متوسطًا، ولهذا في القعود عليه إهانة له، وفي تجصيصه والبناء عليه غلو فيه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الطرفين، فالواجب علينا إذن: أن نعامل هذه القبور بما تقتضيه.

قوله: "نهى" يستفاد منه: تحريم تجصيص القبر، يؤخذ ذلك من النهي، والأصل في النهي التحريم حتى يقوم دليل يصرفه عن التحريم، وأيضًا فإن تجصيصه ذريعة للغلو فيه المفضي إلى عبادة من فيه، وما أفضى إليه المحرم أو كان ذريعة له كان محرمًا.

ومن فوائد الحديث: تحريم الجلوس على القبر؛ لقوله: "وأن يقعد عليه"، وهو حرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر"، وهذا يدل على غلظ التحريم فيه.

ومن فوائد الحديث: النهي عن البناء على القبر لقوله: "وأن يبنى عليه"، فماذا نصنع لو أن الأمر وقع بأن بني على قبر وجصص؟ تجب إزالته حالًا المحرم لا يجوز إقراره، وعلى هذا فيجب على المسلمين أن يهدموا جميع القباب المبنية على القبور، يجب وجوبًا؛ لأنه بناء محرم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز إحداثه، ولا يجوز إقراره عند القدرة على إزالته.

فإن قلت: لو أن أحدًا بنى على القبر حماية له ادّعى أن يبني عليه حماية له.

<<  <  ج: ص:  >  >>