للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلاني؟ قال له: الحاكم الفلاني هذه. قال: يا ويله، وهذا الذي جنبه من هي؟ قال: هذه عجوز كانت مشهورة في السوق ماتت الآن وقبرها مرشوش رطب، وقبر الحاكم يابس، فقال: يا ويله هذه تسقى ماء، وهذا لا يسقى ماء، وقام متعجبًا، فقال حفار القبور: هذا ما رأيت فهذا عدل أو غير عدل؟ عدل، رجل حاكم لا يدخل عليه إلا باستئذان وامرأة في السوق ناقصة العقل هما سواء، فهذا فول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإنها تذكر الآخرة".

ومن فوائد الحديث: أن ظاهرة العموم، أي: يشمل الرجال والنساء؛ لأن الأصل في الخطاب العموم، حتى وإن كان الخطاب للرجال فإنما يخاطب الرجال تغليبًا؛ ولأن الرجال هم أهل الحل والعقد والتقويم والتهذيب، فكانت توجيهات الخطاب في القرآن والسنة إلى الرجال؛ لأنهم أشرف؛ ولأنهم هم أهل توجيه الخطاب؛ لأنهم قوّامون على النساء، وعموم الحديث يتناول النساء، وأنه يشرع لهن زيارة القبور، وقد قال بذلك بعض أهل العلم، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله رد هذا القول، وبيّن ضعفه من أوجه عديدة ذكرها في الفتاوى، ويدل لذلك على استثناء النساء من هذا، إن قلنا بدخولهن فإنه يدل على استثنائهن ما في الحديث الذي بعده، لكن هنا علة أخرى نذكرها أولًا، قال:

٥٥٨ - زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه: "وتزهِّد في الدُّنيا".

"تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا" واللفظ الثاني في مسلم: "تذكر الموت"، فعلى هذا يكون فيها ثلاث فوائد: التذكير بالآخرة وهو يوم القيامة، التذكير بالموت، التزهيد في الدنيا، ما معنى الزهد في الدنيا. تزهد فيها أي: ترغب في الإعراض عنها وعدم المبالاة بها، ومنه قوله تعالى: {وشروه بثمن بخسٍ دراهم معدودةٍ وكانوا فيه من الزَّاهدين} [يوسف: ٢٠]. يعني: راغبين أي: الذين لم يبالوا به، فالتزهيد في الدنيا معناه: أن الإنسان لا يبالي في الدنيا ولا يهتم بها، ولكن ما معنى التزهيد في الدنيا هل معناه: ألا نعمل للدنيا أبدًا ونتركها ويجلس الواحد في المسجد لا يخرج ولا يعمل ولا يتكلم؟ لا، المعنى ألا تكون أعمالنا للدنيا ليس ألا نعمل في الدنيا، ولكن ألا تكون أعمالنا لها، بمعنى: أن أعمالنا نصرفها إلى الآخرة، حتى لو بعنا أو اشترينا فإننا نريد بذلك الآخرة يستطيع الإنسان أن يبيع ويشتري من أجل أن يقوم بكفايته وكفاية أهله، وقد ابتاع واشترى الخلفاء الراشدون- رضي الله عنهم- في خلافتهم لطلب الرزق، وقال الله تعالى: {رجالٌ لَّا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله} [النور: ٣٧]. ولم يقل: لا يبيعون ولا يشترون.

<<  <  ج: ص:  >  >>