للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنه يسن بعث الطعام إلى أهل الميت في اليوم الذي يموت فيه؛ لأنه يقول: "لما جاء نعيه"، وقد سبق لنا أن عيهم كان في اليوم الذي ماتوا فيه.

ومنها أيضًا: أن هذا الطعام يسن صنعه أهل الميت إذا علمنا أنه أتاهم شيء يشغلهم، أما إذا علمنا أنهم لا يهتمون بذلك مثل: أن يكونوا في فندق أو في شيء يجهز لهم الطعام، يعني: ليس هم الذين يصنعونه فإن ظاهر التعليل: أنه لا يسن.

ومن فوائد الحديث أيضًا: أن فيه تطبيقًا للأصل الأصيل، وهو تعاون المؤمنين بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فهؤلاء الذين اشتغلوا بما حلّ بهم من المصيبة كان ينبغي أن يعينهم إخوانهم على مصالحهم بصنع الطعام، وهل نأمرهم بأن يجتمع الناس إليه؟ لا؛ ولهذا قال العلماء: إنه يكره الاجتماع للتعزية وانتظار المعزين، خلافًا لما يفعله كثير من الناس اليوم، تجدهم يجتمعون في البيوت استقبالًا لمن يأتون للتعزية، وهذا لا أصل له، وأقبح منه: أن بعض الناس يصنع ما يشبه وليمة العرس من قهوة وشاي ويجمع ناسًا كثيرين وأحيانًا يجلسون في الأسواق، وربما يأتون بشخص يقرأ القرآن لكن بأجرة ليس تطوعًا ولا تبرعًا، وكل هذا من البدع التي ينهى عنها؛ لأنها لم تكن في عصر الصحابة- رضي الله عنهم- ولا زمن أتباعهم بإحسان، وهذا الذي يقرأ هل ينتفع الميت بقراءته؟ لا؛ لأن هذا يقرأ للدنيا، لو نقص ما جعل له لا يقرأ، فهو يقرأ للدنيا، وإذا كان لا يقرأ إلا للدنيا فإنه لا أجر له؛ لأن من شرط الأجر على قراءة القرآن أن تكون خالصة لله عز وجل، وحينئذٍ يكون فيها ضياع وقت وإتعاب بدن وضياع مال وإثم على هذا القارئ؛ ولهذا أنا أنصح الإخوان الذين في بلادهم مثل هذه الأمور أن يحرصوا على إزالتها، ولكن بالحكمة؛ لأن الشيء المعتاد عند العامة يصعب على الإنسان أن يقوم أمامهم مواجهًا ويقول: هذا خطأ، هذا منكر، هذا محرم، يمكن لو فعل هكذا لقاموا عليه أمثال الذر على العظم ثم أكلوه أكلًا، ولكن ممكن أن يتكلم مع واحد من المسئولين عن هذه القضية، يعني: إذا مات الميت لشخص فتذهب إليه وتبين له الحق، وتقول له: لا تفعل هذا، والحق إذا بيّن بلطف مع إخلاص النية لله عز وجل، في الغالب أنه يقبل.

هل يستفاد من هذا الحديث: أنه لا يصنع الطعام إلا من كان قريبًا من أهل الميت، أو نقول: إن هذه وقعت اتفاقًا وأن العبرة بعموم العلة؟ الظاهر: أنه حتى الأصحاب إذا كان هناك أصحاب لأهل الميت ورأوا أنهم أن يصنعوا لهم الطعام ويبعثوا به إليهم فإن هذا مشروع، ثم قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>