للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجة الوداع. إذن كل العقوبات بالمال منسوخة بهذا الحديث؛ لأن هذا من آخر ما حدَّث به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا عقوبة في المال. نقول لهم: سبحانك اللهم وبحمدك، ما تقولون في عقوبة الإنسان ببدنه أيهما أشدُّ: عقوبة البدن أو عقوبة المال؟ عقوبة البدن.

على كل حال نقول لهم: هذا الحديث في الحقيقة قد يكون حجة عليكم؛ لأنكم تقولون بجواز تعزير الإنسان بالضرب في بدنه والمخرج واحد والحديث واحد، والضرب على البدن قد يؤثر أكثر من أخذ المال، وكثير من الناس يحمون أبدانهم بأموالهم، وهذا شيء مشاهد، لو جاء لصوص ومعك مائة مليون ريال، بل مائة مليون دينار، وقالوا: نأخذ المال أو نقتلك ماذا تقول؟ ! تقول: خذوا المال ولا تقتلوني. إذن إذا كان الشارع بإقراركم يبيح التعزير بعقوبة البدن وليس ذلك منسوخًا عندكم كيف تقولون: التعزير بعقوبة المال منسوخ؟

لهذا أقول: إن هذا الحديث، يقول: "آخذوها وشطر ماله" عقوبة له، لكن ما المراد بـ"شطر المال"، هل هو المال كله، أو المال الذي منع زكاته فقط؟ فيه احتمال هذا، أو هذا، فتحن مثلًا نقول: هذا رجل عنده مليون درهم، وعنده أربعون شاة، فجاء الساعي فمنع الزكاة يجب عليه في أربعين شاة شاة واحدة، فلم يعطها للساعي، إذا قلنا: "آخذوها وشطر ماله، " المال الذي منع زكاته كم نأخذ منه؟ ((٢١)) شاة، وإذا قلنا: جميع المال كم نأخذ؟ خمسمائة ألف وواحد وعشرين درهمًا. بين الاحتمالين فرقًا عظيمًا فأيهما نأخذ به؟ نقول: الأصل في مال المسلم الحرمة، فلا تأخذ بالاحتمال الزائد مع إمكان حمل اللفظ على الاحتمال الأدون؛ لأننا نقول نصف المال الذي منع زكاته مستحق بكل تقدير، ونصف جميع المال مستحق باحتمال، والاحتمال شك، وحرمة مال المسلم يقين. إذن لا نقصر اليقين بالشلك، وحينئذٍ نقول: يخرج منه نصف المال الذي منع زكاته، لكن ما تقولون لو أن ولي الأمر رأى من المصلحة أن يؤخذ نصف ماله كله من أجل ردعه وأمثاله عن منع الزكاة هل يسوغ له ذلك ويقول: أنا أتشبث بهذا الاحتمال الواقع في هذا اللفظ أو نقول لا يحل لك؛ لأنها قد تكون القيمة كبيرة كما في المثال الذي ذكرنا؟ على كل حال الشيء المؤكد الآن أنه يؤخذ نصف المال الذي مع زكاته؛ لأنه هو المال الذي حصلت فيه المخالفة والمعارضة، فكانت الحكمة تقتضي ألا تتجاوز العقوبة على المال الذي منعت زكاته هذا من وجه، ومن وجه آخر: أن الأصل في المال الحرمة فلا نستبيح ما كان مشكوكًا فيه؛ لأن المشكوك فيه لا يقصر الشيء المتيقن.

ثم قال: "عزمة من عزمات ربنا"، "عزمة" فيها روايتان: "عزمةً"، و"عزمةٌ"، أمَّا على رواية "عزمةٌ" فهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي عزمةٌ، أو هذه عزمةٌ، وأما على رواية النصب فهو مصدر مؤكِّد للجملة قبلها "فإنا آخذوها"، والأخذ عزيمة، والعزمة مصدر، فتكون مصدرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>