للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول سمرة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج" الأمر في اللغة: الطلب، وفي اصطلاح الأصوليين: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء، أي: أن الطالب يظهر نفسه مظهر المستعلي على المطلوب وإن لم يكن عاملًا عليه في الواقع، قد يكون رجلًا قاطع طريق، أو هو من ضعة الناس وأراذلهم، فيمسك رجلًا من أشراف الناس ويأمره، والأمر في الأصل يكون من الأعلى إلى الأدنى، لكن هذا نزل نفسه منزلة الأعلى؛ ولهذا قال العلماء في التعريف: على وجه الاستعلاء، ولم يقولوا: العلو، لأنه قد يأمر وليس عليا على المأمور من حيث الواقع، لكن ينزل نفسه منزلة المستعلي، ثم إن استحق العلو فهو له وإن لم يستحقه فهو دعوى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأصل فيه الوجوب، لا سيما وأن المأمور به موصوف بأنه صدقة، والصدقة واجب إخراجها إذا أمر بها.

وقوله: "من الذي نعده للبيع"، "الذي" اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، وإن كان مفردًا، والدليل قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [الزمر: ٣٣]. ولم يقل: هو المتقي، وهذا دليل على أن الاسم الموصول ولو مفردًا يفيد العموم، إذن الذي نعده للبيع عام لكل ما يعد للبيع، يعني: لا يتخذ لذاته وعينه، ولكنه متخذ للبيع، يعني: يراد به قيمته وربحه.

وهذا الحديث يدل على وجوب زكاة العروض، العروض: كل ما أعده الإنسان للبيع لا لذاته مثل سلع التجار التي في حوانيتهم هذا نسميه عروضًا؛ لأنه يعرض للناس يشترونه، أو لأنه يعرض ويزول ما يبقى عند صاحبه، إذا أعطيت السلعة ربحًا بعد شرائها بساعة أو ساعتين يبيعها والإنسان يجد فرقا بين ما يشتريه لعينه وما يشتريه لربحه، الذي يشتريه لعينه لا تبيعه، اللهم إلا أن يأتيك به [ربحًا] كبيرًا، والذي تشتريه للربح تبيعه إذا ربحت ولو بعد نصف ساعة أو أقل، لأنك لا تريده لذاته وإنما تريد ربحه، فكل ما قصد به الاتجار والربح فهو عروض تجارة تجب فيه الزكاة، هل هو خاص بمال معين؟ لا؛ لأنه قال: "من الذي نعده"، إذا كان العروض من الإبل فيه زكاة؟ نعم، رجل عنده بعير واحدة أعدها للتجارة تساوي خمسمائة درهم فيها زكاة؟ نعم، ولو جعلناها سائمة لم يكن فيها زكاة؛ لأن أقل نصاب للسائمة خمس، ولو بقر عروض فيها زكاة، حمير عروض فيها زكاة، لو كلاب عروض ليس فيها؛ لأن الكلاب لا يجوز بيعها ولا حتى المعلمة منها للصيد، أمّا غير ذلك كالدجاج والحمام، والثياب والسيارات، والعقارات كالأراضي، فإنها إذا أعدّت للبيع وجب فيها الزكاة.

وهذا الحديث- كما تشاهدون- أشار المؤلف إلى ضعفه؛ لقوله: "وفيه لين"؛ ولذلك اختلف أهل العلم- رحمهم الله- في وجوب زكاة العروض، لكن جماهير أهل العلم على الوجوب حتى حكاه بعض العلماء إجماعًا، والذين حكوه إجماعًا من طريقتهم أنهم لا يعتدون

<<  <  ج: ص:  >  >>