للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ورجل قلبه معلق بالمساجد" هل المراد بالمساجد: أمكنة السجود، أو أزمنتها، أو نفس السجود، أو الجميع؟ الظاهر أن المراد: الجميع، بمعنى: أنه دائمًا يذكر سجوده لله عز وجل ويذكر أوقات السجود، وكلما مضى وقت للصلاة تجده ينتظر الوقت الآخر بلهف وتشوق، وأمكنة السجود وهي المساجد، كذلك إذا خرج من المسجد فقلبه باق في المسجد يألفه ويرجع إليه فيحن إليه: {إنما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة واتى الزكاة ولم يخشى إلا الله} [التوبة: ١٨]. فإذن نقول: هذا الرجل المعلق بالمساجد وبالسجود، وأوقات السجود، وأمكنة السجود، وإذا كان قلبه معلقا بالمساجد فإنه من باب أولى أن يكون معلقًا بالمسجود له وهو الله عز وجل، فيكون دائمًا يذكر الله- سبحانه وتعالى- بقلبه، ولسانه وجوارحه: {يذكرون الله فيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم} [آل عمران: ١٩١]. ولا أشرح للصدر ولا أسر للقلب من تعلقه بالله- سبحانه وتعالى- وكونه دائمًا يذكره بآياته الشرعية، وآياته الكونية؛ لأن ما من شيء أمامه إلا وهو دال على الله.

وفي كلّ شيء له آية ... تدل على أنه واحد

فكون الإنسان دائمًا مع الله- سبحانه وتعالى- يذكره بقلبه ولسانه وجوارحه هذه هي الحياة الطيبة، وهو أسرُّ ما يكون للقلب ومع ذلك ففيه هذا الأجر العظيم.

"ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" "تحابا في الله" لا لقرابة، ولا لأمر دنيوي، ولا لأمر شخصي، ولكن لله عز وجل، "تحابا في الله" ما أحبه إلا لأنه مطيع لله عز وجل، مجتنب لمعاصيه، والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، بل لا يمّكن أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان حتى يوالي في الله ويعادي في الله، فإن هذا هو العروة الوثقى.

هذان الرجلان تحابا في الله اجتمعا عليه في الدنيا ما داما حيين، وتفرقا عليه- يعني: بالموت- ماتا وهما على ذلك على أنهما متحابان في الله، هل يحب الإنسان غيره بعد موته؟ نعم ليس فيه إشكال، نحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحب أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، وسائر من سبقونا بالإيمان، ومع ذلك فإننا لم نعش معهم، ونحب أيضًا من عشنا معه، ومات قبلنا من المؤمنين، هذا معنى: "فتفرقا عليه"، فالتفرق لا يلزم منه التفرق في المحبة.

"ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله"، "دعته امرأة" لنفسها لينال شهوته منها، وهي ذات منصب، يعني: ليست امرأة دنيئة من أسافل الناس حتى تعافها نفسه من أجل ذلك، وهي ذات جمال أيضًا ليست قبيحة ينفر منها من رآها، بل هي جميلة وذات حسب، ولم يقل: ذات دين، لماذا؟ لأنه لو كان لها دين قوي ما دعته لكنها لها حسب.

والمرأة قد تغلبها شهوتها حتى تدنس حسب قومها- والعياذ بالله-، كما أن الرجل قد يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>