للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأمر يمنعه من صومها.

ويستفاد من الحديث أيضًا: أن صيامها بعد شوال لا يجزئ، وهذا لمن تعمد تأخيرها واضح؛ لأن هذه عبادة مؤقتة، بماذا؟ بشوال فإذا أخَّرتها بلا عذر من شوال لم تجزئ، ولكن إذا أخرها الإنسان لعذر مثل أن يسافر من يوم العيد إلى آخر شوال فهل يقضيها أم لا؟ قد يقول قائل: إنه يقضيها قياسًا على قضاء رمضان؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت أخرها عن وقتها لعذر فلا بأس أن يقضيها، وقد يقال: لا يقضيها؛ لأنها سنة فات محلُّها بخلاف الفريضة.

٦٤٨ - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله؛ إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النَّار سبعين خريفًا". متّفقٌ عليه، واللَّفظ لمسلمٍ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يومًا"، كلمة "عبد" يراد بها: العبودية العامة الشاملة للمؤمن والكافر، ويراد بها: العبودية الخاصة بالمؤمنين، ويراد بها: عبودية أخصُّ للرسل، فمن الأول العبودية العامة قوله تعالى: {إن كل من في السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبدًا} [مريم: ٩٣]. فهذه العبودية عامة ولا يمكن أحد أن يستكبر عنه، كل الناس خاضعون لها؛ لأنها عبودية كونية لا أحد أن يستطيع أن يرد المرض نفسه، ولا أحد يستطيع أن يرد الجوع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردَّ الموت عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يردَّ الحوادث عن نفسه، هذه عبودية عامة وهي العبودية الكونية المتعلقة بقدر الله عز وجل، عبودية خاصة وهي: عبودية التذلل لله تعالى بالطاعة وهذه عبودية شرعية يعني: التذلل للشرع، وهذه تكون لمن؟ للمؤمنين، ومنها عبودية أخص وهي: عبودية الرُّسل، مثال عبودية المؤمنين قوله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا}. [الفرقان: ٦٣]. هذه خاصة للمؤمنين، عبودية للرسل: {سبحان الذي أسرى بعبده} [الإسراء: ١]. {واذكر عبدنا إبراهيم} [ص: ٤٥]. {واذكر عبدنا أيوب} [ص: ٤١]. وهذه أخص من التي قبلها، قوله تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: ٤٦]. من العامة أو الخاصة؟ من العامة، يعني لا يظلم هؤلاء ولا هؤلاء.

"ما من عبد يصوم" من العبودية الخاصة، لماذا؟ لأن غير المؤمن لا يصح منه الصوم، فإنه لا تجتمع العبادة مع الكفر، بل الكفر إذا ورد على العبادة واستمر إلى الموت أبطلها، كما قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} [البقرة: ٢١٧].

وقوله: "يومًا في سبيل الله"، "يومًا" هذه مفعول به لوقوع الفعل عليه، والمفعول فيه هو الذي يقع فيه الفعل، نقول مثلًا: "زارني يومًا واحدًا" هذه مفعول فيه يعني: زارني في يوم، أما

<<  <  ج: ص:  >  >>