للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى في أيام الأعياد من باب أولى، ولهذا رُخص للناس في أيام الأعياد في شيء من الفرح لا يرخص لهم في غيره، الجاريتان اللتان تغنيان في يوم بعاث بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في أيام منى لما انتهرهما أبو بكر قال له النبي صلى لله عليه وسلم: "دعهما فإنها أيام عيد".

فيستفاد من هذا: أنه ينبغي للإنسان في أيام الأعياد أن ينبسط وأن يفرح بنعمة الله تعالى بإكمال الصوم لا للتخلص منه، ولكن للتخلص به من الذنوب، لأن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، في يوم النحر عرفه الواقف بها يقال لهم: ارجعوا مغفورًا لكم فلهذا صار عيدًا يفرح به الإنسان بالتخلص من الذنوب بسبب هذا العيد.

ومن فوائد الحديث أيضًا: تحريم صيام أيام التشريق؛ لأنه خروج بها عما أراد الشارع بها من أن تكون أيام أكل وشرب.

ومنها: أنه ينبغي للإنسان ألا يلهيه الأكل والشرب الذي هو غذاء البدن عن ذكر الله الذي هو غذاء الروح، فإن الإنسان إذا أكل وشرب حصل له من الأشر والبطر ما لا يحصل للجائع، فأعرض عن ذكر الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر حتى لا يغفل الإنسان بالأكل والشرب عن ذكر الله.

ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الخلق؛ لأنه لما ذكر هذا الأكل والشرب الذي يكون مظنة للغفلة نبههم على ذكر الله قال: "وذكر لله عز وجل".

ومنها: أنه ربما يستدل بعموم كلمة "ذكر" على مشروعية التسمية على الذبائح؛ لأنه لا شك أن من ذِكر الله في هذه الأيام التسمية على الذبائح، والتسمية على الذبائح شرط لحل الذبيحة، فمن ذبح ذبيحة لم يُسم الله عليها حَرُم أكلها حتى وإن كان الذابح ناسيًا، لكن لو أكلها ناسيًا فلا إثم عليه لقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦]. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على حل ذبح من نسي التسمية، لماذا؟ لاختلاف الفعلين الذابح له فعله فلا يؤاخذ إذا نسي إلا يُسمي، وأما الأكل فله حكم فِعلي، والله تعالى يقول: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: ١٢١]. ولهذا لما جاء قوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إن قومًا من أهل الكتاب يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال لهم: "سموا أنتم وكلوا"، ففرق الرسول بين الفعلين: فعل أولئك عليهم مسئوليته، أما فعلكم أنتم وهو الأكل فعليكم مسئوليته.

ومن فوائد الحديث: وصف الله عز وجل بالعزة والجلال لقوله: "عزّ وَجَلّ".

هل يؤخذ من هذا الحديث: إباحة الأكل والشرب؟ لا يؤخذ، لكن يؤخذ من الأدلة الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>