للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيًا: "أيقظ أهله" أي: للصلاة.

ثالثًا: "وأحيا ليله" بالقيام، هذه ثلاثة أمور يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بدخول العشر، قوله: "شد مئزره" قيل: إن المراد به: ربطه وحزمه، يعني: فلا يجامع النساء، وقيل: إنه كناية عن التشمير للعمل؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يعمل فإنه يرفع مئزره ويشده من أجل أن يتقوَّى على العمل، ويمكن أن يقال: إنه لا مانع أن يكون المراد به الأمرين، يعني: اعتزال النساء، والثاني: التشمير للعمل، وقوله: "أحيا ليله"، أي: سهر الليل فلم ينم لاشتغاله صلى الله عليه وسلم بالقيام، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقوم الليل كله إلا في العشر الأواخر من رمضان، فإنه كان يحيي الليل كله.

ولكن إذا قال قائل: كيف يتأتى ذلك مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر ويصلي المغرب ويصلي العشاء ويتوضأ ويقضي حاجته؟

فالجواب: أن الاستعداد للعبادة من العبادة، فالمعنى: أنه يتهيأ للقيام من حين ما ينتهي من صلاة العشاء، وأما إيقاظ الأهل كان يوقظهم صلى الله عليه وسلم في هذه الليالي حتى يقوموا، في غير هذه الليالي ما كان يوقظهم، كان يقوم وعائشة رضي الله عنها نائمة فإذا أوتر أيقظها، ولا يوقظها قبل ذلك، لكن في العشر الأواخر من رمضان كان يوقظ أهله من أجل العمل من أجل هذه الليالي المباركة.

من فوائد الحديث: فضل العشر الأواخر من رمضان، وذلك لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لها بإحياء الليل.

ومن فوائده: مشروعية إحياء الليل كله في العشر الأواخر من رمضان، وهل يقاس على ذلك بقية الليالي، بمعنى: أن نقول للإنسان: ينبغي أن تسهر الليل كله في القيام؟ لا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك حين بلغه عن قوم قالوا كذا وكذا، ومما قالوا قول أحدهم: إني أقوم ولا أنام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي استقبال هذه العشر والتهيؤ له في القوة لقوله: "شد مئزره".

ومنها: جواز تخلف الإنسان عن أهله في مثل هذه المدة، وبه يتبين ضعف قول من يقول: إنه يلزمه أن يبيت عند امرأته ليلة من أربع وينفرد في الباقي إن أراد؛ لأن هذا القول ليس عليه دليل، والإنسان يعاشر أهله بالمعروف، وليس من المعروف في غير مثل هذه الأوقات الفاضلة أن ينفرد إنسان عن زوجته ثلاث ليال من أربع، بل المعروف أن يبيت معها كل ليلة، إلا إذا دعت حاجة أو مصلحة كقيام رمضان كما في هذا الحديث.

ومن فوائده: مشروعية إيقاظ الأهل في الليالي الفاضلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله.

ومن فوائده أيضًا: أن إيقاظ الأهل لأمر ليس بواجب في الأيام الفاضلة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقال مثلًا: لماذا تحرمهم النوم فهذا ليس بواجب؟

<<  <  ج: ص:  >  >>