للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال في البحر، قال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وللحديث سبب، سببه: أن قوما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إننا يا رسول الله نركب البحر وليس معنا ماء - يعني: يتوضئون به-، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". لم يقل: نعم، بل قال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، مع أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- إذا سئل عن مثل هذا السؤال يقول: نعم، سأله رجل أنتوضأ مع لحوم الإبل، قال: "نعم"، لكن هنا عدل عن كلمة "نعم" إلى قوله: "الطهور ماؤه"؛ ليكون ذلك أشمل وأعم فيتطهر به ولا يتطهر منه؛ بمعنى: أنه لو أصاب الثوب والبدن فإنه لا يجب أن يتطهر منه؛ لأنه طهور، وأيضا يتطهر به من الحدث الأصغر والأكبر والنجاسة، وهذا من حسن جواب الرسول - عليه الصلاة والسلام-.

فكلمة "الطهور ماؤه" أعم من كلمة "نعم"؛ لأنه لو قال: نعم؛ لكان المعنى: تطهروا به، أو توضئوا به، لكن قال: "هو الطهور ماؤه".

أيضا زادهم على ذلك قال: "الحل ميتته". "الحل"؛ يعني: الحلال، ميتته، والمراد ب "ميتته": ميتة ما لا يعيش إلا فيه إلا في البحر، وليس المراد: ما مات في البحر؛ ولهذا إذا سقطت شاة في البحر وماتت فهي حرام ميتة، لكن المراد ب "ميتته": مضاف إلى البحر؛ يعني: ميتة ما لا يعيش إلا في البحر حلال، هكذا كان جواب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

وكلمة "الطهور" بفتح الطاء وهو اسم لما يتطهر به كالسحور اسم لما يسحر به، والوجور اسم لما يوجر به المريض وهلم جرا، أما الطهور بالضم فهو مصدر أو اسم مصدر وهو عبارة عن الفعل، فمثلا إذا قرب الإنسان ماء يتوضأ به، فالماء يسمى طهورا أو يسمى وضوءا ونفس الفعل الوضوء يسمى طهورا، أو وضوءا، فالفرق إذن بين فتح أوله وضمه هو أنه أريد الفعل فهو مضموم، وإن أريد ما يتطهر به فهو بالفتح، ونظيره السحور اسم لما يؤكل في السحر، والسحور اسم للأكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>