للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يدخلوا المسجد الحرام قلنا: نعم، لكن الآية تقول: {فلا يقربوا}، ومعلوم بالاتفاق أن لهم التمكن من الوصول إلى أدنى نقطة من حدود الحرم.

والدليل الرابع: قوله تعالى: {سبحن الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا} [الإسراء: ١]. وهذه الآية - كما علمتم قبل قليل - استدل بها من قالوا بالعموم، ولكنا نقول: لا، الذي يثبت في صحيح البخاري () أنه أسري به من الحجر، وأين الحجر؟ هو من الكعبة، فيكون من المسجد الحرام، أي: الذي فيه الكعبة، وفي بعض الروايات: "بينما أنا نائم عند الكعبة"، فيحمل على أن المراد بالكعبة هنا: البناء القائمة؛ لأن الذي في الحجر عند الكعبة، أما قوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفًا أن يبلغ محله} [الفتح: ٢٥]. فقد نستدل به على أن المراد بالمسجد الحرام: المسجد نفسه الذي داخل الكعبة؛ لأن أهم مقصود في العمرة الطواف، ومن منع الناس أن يدخلوا مكة فقد منعهم أن يدخلوا المسجد الحرام بالأولى، ولهذا قال: {والهدى معكوفًا أن يبلغ محلُّه}، ولم يقل: أن يبلغ المسجد، فدل ذلك على أن محل الهدي غير المسجد، أما حديث ابن عمر: "كان الرسول نازلًا في الحديبية ويصلي الصلوات في الحرم داخل الأميال"، فنحن نقول: نعم، نحن لا نمنع أن يكون الحرم أفضل من الحلِّ، بل لا نشك أن الحرم أفضل من الحل، ولهذا من دخله كان آمنًا، عندنا شجرتان إحداهما داخل الأميال، والثانية خارج الأميال وبينهما متر، التي خارج الأميال لنا أن نجثها بعروقها، والثانية نقول: لا تقطعوا منها شيئًا؛ لأنها داخل الحرم، ونحن لا نشك أن الصلاة في داخل الأميال أفضل من الصلاة في الحلِّ، لكن الكلام على التفضيل الخاص وهو التضعيف، ولأننا نقول: الأصل فيمن خرج عن المسجد الحرام الأصل إلا يدخل، فإذا جاءنا فرد من أفراد العموم وليس العموم ظاهرًا فيه، فإننا نقول: الأصل عدم الدخول إذا لم يكن العموم ظاهرًا في تناوله له حتى يقوم دليل على دخوله، وهذا هو الذي ذكره ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" ()، وهو كتاب يعتبر من أجمع كتب المذهب الحنبلي في الأقوال، بل ويشير إلى خلاف الأئمة الثلاثة، بل وينقل أيضًا عن الظاهرية وغيرهم، فهو من أحسن ما ألف في الفقه، لكن فيه صعوبة؛ لأنه رحمه الله ضغطه لأجل الاختصار، فكان صعبًا على طالب العلم المبتدئ إلا أنه - كما قال بعضهم - هو مكنسة المذهب، يقول ابن مفلح: إن هذا هو ظاهر كلام أصحابنا، يعني: المسجد الحرام هو المسجد الذي فيه الكعبة، وهو كما علمتم ظاهر النصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>